ودعت بيروت أمس الاعلامي جان كلود بولس في مأتم مهيب بحضور شخصيات سياسية واعلامية واعلانية، على رأسها وزير الاعلام اللبناني وليد الداعوق الذي مثّل رؤساء الجمهورية ميشال سليمان والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، وقلد الراحل باسم سليمان وسام الأرز من رتبة ضابط. كما ألقت ابنة بولس، جوزيان، كلمة مؤثرة صفق لها الحضور وقوفاً... وإذا كان موت أي فنان أو مبدع يُفاجئنا دائماً ويحزننا في أغلب الأحيان، فإن رحيل فنان من طينة جان كلود بولس، يفاجئنا ويحزننا مرتين. والمرة الثانية لكون الفن التلفزيوني في بلادنا فناً جديداً نسبياً، بالكاد تجاوز النصف قرن من عمره، بمعنى ان كباره من المفترض الا يكونوا قد وصلوا بعد الى السن المتقدمة التي يتساقطون فيها الواحد بعد الآخر... ناهيك بأن جان كلود بولس نفسه، كان يبدو دائم الشباب والحيوية، الى درجة ان كثراً استغربوا تأسيسه في الأعوام الأخيرة تلفزيون «السومرية» الذي كان جزء أساسي من بثه يتعلق بالمآسي العراقية. فبولس لم يكن يوماً رجل شكوى أو مأساة. كان رجلاً مفعماً بالحياة، متفائلاً في أحلك اللحظات مرارة، صامداً في وجه الصعوبات... حتى المرض العضال الذي فتك بجسمه طوال سبع سنوات، لم يكسره، بل آثر ان يمارس حياته اليومية في شكل طبيعي وبابتسامته المعهودة على رغم آثار العلاج البادية على جسده. وبهذه الابتسامة عرفه مشاهدوالتلفزة اللبنانية منذ ولادة التلفزيون في هذا البلد... عرفوه إدارياً قديراً، ورائداً في ابتكار البرامج (كان يفضل لقب «مهندس برامج» بالنظر الى انه اتى أصلاً من الهندسة المدنية)... ولقد ارتبط باسمه ووجوده، الطريف والباسم دائماً على الشاشة، جزء كبير من الذاكرة التلفزيونية في لبنان. ولعل أكثر ما يلفت في بدايات مسيرته، انه عرف كيف يعطي الإعلام المصور، نكهة القطاع الخاص مع انه كان إعلاماً رسمياً - أي من المفترض به ان يكون متجهماً وبيروقراطياً، وابداً لم يكن الراحل متجهماً أو بيروقراطياً... هو الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان بين عامي 1996 و1999. ومثل حال كثر من الإعلاميين اللبنانيين من بعده - والذين وقفوا وحدهم في الميدان الإعلامي الشرق اوسطي منافسين زملاءهم المصريين-، عرف بولس بسرعة منذ بداية سنوات السبعين كيف يتجاوز الفضاء اللبناني ليصبح له كيان عالمي وعربي، ولاسيما من خلال المنظمة الدولية للإعلان التي تسلم رئاستها لسنتين في 2002... ما أهله لاحقاً في العام 2008 لنيل جائزة سمير فارس في مؤتمر المنظمة في واشنطن في وقت كان قد اسس واحدة من أبرز المحطات التلفزيونية في العراق الجديد. وخلال ذلك المسار الطويل، ساهم جان كلود بولس في الكتابة لصحيفة «لوريان لو جور» اللبنانية... وأصدر بدءاً من العام 1990، عدداً من الكتب التي عبّر فيها عن آراء إعلامية وعن هموم وطنية وفكرية، بدءاً من «مرارة» و«التلفزيون تاريخ وقصص» و«التلفزيون رحلة الى الجحيم»... وصولاً الى كتابه الأشمل الذي صدر العام 2010 في 8 مجلدات تتضمن كل كتاباته، بما فيها قصائد ومقالات واسكتشات... ولعل خير كلمة اختتمت بها حياة هذا الرائد في الإعلام اللبناني الذي ولد العام 1934 في الاسكندرون، فهي تلك التي زينت ال«بلوغ» الالكتروني الخاص به يوم موته، نقلاً عن جاك بريفير في أغنية «الأوراق الميتة»: «إن الحياة تفرق الأحبة».