شعاع أمل يأتي من حيث لم يتوقع أحد، وبارقة تفاؤل تومض من حيث اعتقد كثيرون أنها نهاية الطموح وبداية الواقع المر. فتلفزيون رمضان لم يكن يوماً مصدر جذب أو عامل تشويق لفئة الشباب، باستثناء ربما برنامج مقالب هنا أو مباراة كرة قدم في دورة رمضانية هناك. هذا العام أتى تلفزيون رمضان لفئة شبابية متضررة تعاني الأمرّين ببعض من أمل ورجاء. اللافت أن باب الأمل الذي شقه التلفزيون لم يأت عبر مسلسل درامي تتابعه الملايين أو برنامج فني يحظى بأعلى ساعات المشاهدة، بل أطل برأسه على ملايين الشباب عبر الإعلانات التسجيلية التي تعد ظاهرة غير مسبوقة على الشاشات المصرية. وعلى رغم الزخم الدرامي الهائل والصراع المسلسلاتي المستعر وبزوغ نجم نحو أربعة أو خمسة مسلسلات تسيطر على اهتمام العائلات المصرية، وجد كثيرون من الشباب ضالتهم المنشودة في حملة «ابتدي» التي تبثها عشرات الشاشات في الفواصل الإعلانية، وما أكثرها. المبادرة التي يشارك فيها الفنان خالد النبوي عبر حلقات تتعرض كل منها لنموذج نجاح أو محاولة نجاح على رغم الصعاب، هدفها تأهيل وتوظيف 200 ألف شاب وشابة، فمن كفيفة تخرجت في كلية الإعلام قسم الإذاعة والتلفزيون بتقدير امتياز وعلى قدر بالغ من الذكاء واللباقة، وبذلت كل ما في وسعها لتحقيق حلمها والعمل في المجال الذي أحبته ودرسته، إلى أخرى تغلبت على ظروف الفقر المدقع باستغلال حنكتها في الحياكة فبدأت بماكينة واحدة وتدير حالياً ورشة ضخمة تدر لها وللعاملات معها دخلاً ثابتاً، تتوالى قصص نجاح شباب وشابات تغلبوا على مصاعب هنا ومشكلات هناك، وان لم تكن قصة مكتملة بعد، فتملك على الأقل من روح القتال وقوة العزيمة ما يمكّنها من المحاولة مراراً وتكراراً والبحث عن مخارج ممكنة. شعار المبادرة الذي حوله مستخدمو «تويتر» إلى هاشتاغ، الإيدين إللي عايزة تشتغل تعمل المستحيل، لم يعد مجرد مبادرة إعلانية، بل تحول طاقة أمل وبوتقة أفكار يطرحها ويتبادلها ويعتنقها آلاف الشباب، ربما أكثر من المئتي ألف المراد إيجاد فرص عمل لهم. بنك الطعام وإذا كان هناك من يبحث عن فرصة عمل هرباً من البطالة، فهناك من يبحث عن لقمة طعام هرباً من الجوع، وهو ما لاقى أثراً بالغ الإيجابية لدى قطاعات عريضة من الشباب المصري بفضل الشاشات الرمضانية. «بنك الطعام» (مؤسسة خيرية مصرية هدفها محاربة الجوع) يشن حملة من نوع فريد على شاشات التلفزيون منذ بداية شهر رمضان. الحملة ارتدت رداء رمضان الدرامي، بحكم الولع بالمسلسلات في هذا الشهر، وخرجت كمسلسل يومي اسمه «مسلسل الجوع» يقوم ببطولته 4.4 في المئة من المصريين، وهم المصنفون تبعاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2013، بأنهم يعانون سوء التغذية وتدني الدخل، أو بالأحرى انعدامه، ما يمنعهم من توفير حاجاتهم الأساسية من الغذاء. أما المخرج فهم المتبرعون بالمال والغذاء من القادرين، بالإضافة إلى المتبرعين بالجهد والوقت من آلاف الشباب والشابات الذين لاقى مسلسل الجوع أثراً إيجابياً لديهم فتبرعوا بوقتهم وجهدهم. المشاركون في هذه المبادرة الهادفة إلى القضاء على الجوع في مصر مع حلول عام 2020، يقولون إن مسلسل الجوع لا ينتهي في رمضان، بل يعيش أبطاله في أحداثه طيلة شهور العام وأيامه، وهو ما يعني احتياج مستمر لتبرعات الشباب بالوقت والجهد. أحد المتطوعين في البرنامج، محمد فتحي (19 عاماً)، يقول إنه انضم إلى جهود القضاء على الجوع في أوائل رمضان ومعه مجموعة كبيرة من أصدقائه قرروا كسر دائرة رمضان الصيفية، حيث عطلة دراسية وحرارة جو في النهار وسهر في الليل، وهو ما حول رمضانهم عام 2014 إلى شعور بالغ الإيجابية بأنهم فاعلون مساهمون مشاركون في صوغ نهاية سعيدة لأطول مسلسل في تاريخ الدراما المصرية. ومن الدراما ما هو تراجيدي، حيث شبح الموت يخيم على أطفال مصابين بمرض السرطان، وهو ما يتم التركيز عليه إعلانياً (مجاناً) على شاشات رمضان، لا سيما المستشفيات، التي تم تشييدها والإنفاق عليها معتمدة بشكل كبير على تبرعات أهل الخير. وهذا العام، يستقبل المستشفى الشهير الذي يعالج مرضاه من الأطفال بالمجان وعلى أعلى مستوى طبي، أفواجاً من طلاب المدارس والجامعات الذين يزورون المرضى الصغار محملين بهدايا وقوائم من المأكولات تحددها إدارة المستشفى لقضاء بعض الوقت معهم في نهار رمضان. ليلى نصار (15 عاماً) زارت المستشفى مرتين منذ بداية رمضان مع عدد من صديقاتها. تقول: «تأثرت كثيراً بإعلانات التلفزيون التي تذاع بشكل مكثف في رمضان طلباً للدعم المادي والمعنوي لمصلحة الأطفال المصابين بالسرطان، فاتفقت ومجموعة من صديقاتي على أن ننظم زيارة، وفعلاً اتصلنا بإدارة المستشفى وتم تحديد موعد لنا، وحين سألنا عما نصطحبه كهدايا للأطفال، قالوا لنا: لعب بلاستيكية يمكن غسلها وتعقيمها وعصائر فقط لا غير». تقول ليلي إن الزيارة أسعدتها بقدر ما أحزنتها، «فالمرض محزن جداً، لكن الشعور بأن الأصحاء يدعمون المرضى ويخففون عنهم ألمهم نفسياً أمر بالغ الإيجابية، ولذلك قمنا بزيارة ثانية، ونخطط حالياً لزيارة ثالثة قبل نهاية رمضان». وقبل نهاية رمضان، يعترف شباب وشابات نجوا من تخمة المسلسلات وامتلاء البرامج والمقالب، بأنهم وقعوا أسرى جرعة تلفزيونية رمضانية من نوع مختلف، هي جرعة أمل، جاءت بفرصة عمل لمتعطل أو لقمة عيش لجائع أو لعبة بلاستيكية لطفل مريض.