كشف إقدام اسرائيل قبل أيام على مصادرة معدّات محطتي تلفزيون فلسطينيتين في رام الله عن سيطرتها ليس فقط على الأرض الفلسطينية، وما في باطنها وسطحها من موارد مثل الماء وغيره، إنما أيضاً على الفضاء وما فيه من ترددات تصل قيمة الاستثمارات فيها الى مبالغ مالية هائلة. وبررت إسرائيل قيامها باجتياج المدينة، التي تشكل العاصمة الادارية للسلطة، فجر الاربعاء الماضي، واقتحام محطتي «وطن» و «القدس التربوي»، ومصادرة أجهزة البث فيهما، بالقول إن هذه الاجهزة تؤثر في نظام الاتصالات في مطار بن غوريون في تل أبيب. لكن وزير الاتصالات الفلسطينية مشهور أبو دقة قدم وثائق تخالف الادعاء الاسرائيلي بصورة كلية. وقال أبو دقة ل «الحياة» إن ترددات التلفزيون لا علاقة لها مطلقاً بترددات المطار، وأن هناك تقسيماً معروفاً للترددات المخصصة للمطارات والترددات المخصصة للطيران وتلك المخصصة للاتصالات الخليوية، والإذاعة وغيرها. وأضاف: «المبرر الاسرائيلي غير حقيقي، ويخفي وراءه السبب الحقيقي المتمثل في نية اسرائيل مصادرة الترددات المخصصة لمحطات التلفزيون الفلسطينية، ومنحها لشركات اتصالات تستمثر في تكنولوجيا جديدة تسمى LTE تستخدم الترددات التلفزيونية ذاتها وهي الUHF». وأشار أبو دقة الى أن إسرائيل تصادر الطيف الفضائي الفلسطيني، ولا تمنح الجانب الفلسطيني منه سوى جزء يسير يستخدم في الاتصالات الخليوية، وفي بعض محطات الاذاعة والتلفزيون. وقال: «نحن ما زلنا غير قادرين على استخدام الانترنت في الاتصالات الخليوية بسبب رفض اسرائيل السماح بإدخال معدّات الجيل الثالث، وتالياً استخدام هذه الترددات من جانب الشركات الاسرائيلية». وتصل الخسائر الفلسطينية جراء السيطرة الاسرائيلية على الطيف الترددي الفلسطيني الى نحو 120 مليون دولار سنوياً. وقال إن شركة الاتصالات الخليوية الوطنية على سبيل المثال، وهي استثمار قطري - فلسطيني مشترك، لم تدفع بعد جزءاً مهماً من رسوم ترخيصها في السوق الفلسطينية للسلطة بسبب عدم سماح اسرائيل لها بإدخال وتشغيل معدّات الجيل الثالث التي تستخدم لتشغيل الانترنت في الاتصالات الخليوية، وعدم السماح لها أيضاً بإدخال معدّاتها للعمل في قطاع غزة. وينص اتفاق السلام الانتقالي الفلسطيني - الاسرائيلي على بقاء الطيف الترددي الفلسطيني تحت الإدارة الاسرائيلية خلال الفترة الانتقالية التي انتهت عام 1999. لكن غياب اتفاق لاحق ينهي الاتفاق الانتقالي ويحل محله أبقى الأخير معمولاً به حتى اليوم وربما لفترة طويلة مقبلة. وتوقع الوزير أبو دقة أن تواصل إسرائيل استهداف محطات التلفزيون المحلية في الفترة المقبلة لهذا الغرض. وقال: «طرحت اسرائيل عطاءات لتشغيل نظام الاتصالات LTE، والمرحلة المقبلة ستشهد صراعاً بيننا وبين الاحتلال على هذه الترددات التي تستخدمها محطات التلفزيون المحلية». وعادت محطة تلفزيون «وطن» الى البث بصورة بدائية بعدما صادرت اسرائيل كل اجهزة البث والحاسوب فيها. وقال مدير المحطة معمر عرابي ل «الحياة» انه تلتقى بعد معاودة البث تحذيراً اسرائيلياً نقلته له القنصلية الاميركية في القدس من مغبة مواصلة البث. لكنه اشار الى ان طواقم المحطة عملت على إعادة البث بصورة بدائية من أجل مواصلة التواجد على الهواء، وأن المحطة لن توقف بثها على رغم الإنذارات الاسرائيلية. وقال: «يمكنهم أن يعودوا الى المحطة، ويدمروها من جديد، لكن نحن لن نوقف عملنا من أجلهم». وأثار اجتياح إسرائيل لمدينة رام الله غضباً شديداً في المستوى السياسي الفلسطيني الذي اعتبره «محاولة اسرائيلية جديدة لتقويض ما تبقى من السلطة الفلسطينية»، وفق وصف رئيس الوزراء سلام فياض الذي تعهد بعدما زار المحطتين، تزويدهما بكل ما من شأنة تسهيل عودتهما الى البث، وتحدي القرار الاسرائيلي.