وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    «موديز» ترفع تصنيف السعودية إلى «Aa3» مع نظرة مستقبلية مستقرة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيماير: المسيحية أشد لؤماً ومكراً... والمسلمون يقولون ما يفكرون فيه على عكس رجال الكنيسة
نشر في الحياة يوم 28 - 02 - 2012

عندما تصافحها في مؤتمر علمي أو في لقاء أكاديمي تجد الكل يسلم عليها باحترام شديد وبتبجيل لا حدود له، وترد التحية بذوق كبير وتنصت للجميع، فإذا تحدثت كان صوتها هادئاً، والابتسامة لا تغادر وجهها. إنها انغريد هيماير، عالمة في تاريخ العلوم والتقنية، من كندا.
تحدثت معها عن دراستها الزراعة والصيدلة واللغة العربية، في بوخوم وبون وبريتوريا وصنعاء وزيوريخ، وعن اليمن الذي تعشقه، وجدتها تتحدث عنه بحب وإعجاب وانبهار، وعن تاريخه وعن شعبه، يعجبها أن يعتز الشعب اليمني بتاريخه، سواء كان قبل الإسلام أم بعده، وتستنكر عدم اهتمام الكثيرين بفترة ما قبل الإسلام، وتنبه إلى أن العلم لا يأتي فجأة، ولذلك فالنهضة العلمية في ظل الإسلام لها جذور في الفترة السابقة له، وأوضحت أيضاً أن العلم لا يموت فجأة، فحتى المغول لم يقضوا على العلوم كما يعتقد الكثيرون. تأسف لفقدان العالم العربي مكانته في العلوم، ولكنها تقول إن كل الحضارات تشهد صعوداً وهبوطاً.
على رغم رقتها الشديدة وذوقها البالغ، لا تتردد في أن توجّه بعض الانتقادات بلا مواربة لبابا روما، وللزعامات الدينية المسيحية، وتستنكر محاولات البعض في العالم الإسلامي رفض أي شيء يأتي من الغرب، ولا توافق على التفسير العلمي للقرآن والسنة، وترى فيه محاولة من البعض لليّ عنق النصوص الدينية لتطابق نظريات علمية.
تقول إن ما تفتقده في الكثير من الطلاب العرب الذين يدرسون عندها في جامعة رايسون هو عدم امتلاكهم القدرة على التفكير النقدي، الأمر الذي يؤثر سلباً في أبحاثهم، لأن قبول كل ما هو وارد في الكتب أو ما قاله أحد العلماء القدامى، يعرقل العمل الأكاديمي والأسلوب العلمي في البحث.
تؤيد بشدة التبادل الطلابي، وأن يدرس الطالب السعودي فصلاً دراسياً أو أكثر من دراسته في جامعات كندا أو غيرها من دول العالم، لأن ذلك يسهم في نضجه الفكري والاجتماعي، كما حدث معها شخصياً، ولا ترى أن اللغة الإنكليزية تشكل عائقا أمام هذا الهدف.
ترى أن أحداث 11 أيلول (سبتمبر) كانت دافعاً للكثيرين للاهتمام بدراسة الاستشراق، ولفهم ما يحدث في العلاقة بين العالم الغربي والعالم العربي، وتعتقد أن الاستعلاء والتكبر الذي انتهجه الغرب في تعامله مع العرب على الصعيدين الاقتصادي والفكري، كان لا بد أن يؤدي إلى رد فعل عنيف، وأن الكثيرين فهموا أن الأمر أعمق بكثير من القول الساذج الشائع: «إنهم يكرهوننا لأننا مسيحيون ولأنهم مسلمون».
تتهم الغرب بعدم الصدق في دفاعه عن مبادئ حقوق الإنسان، وترى أنه يستخدمها في كثير من الأحيان لتحقيق مصالح اقتصادية، وأن النفط كان هو الدافع الأول لحرب العراق، وما عدا ذلك كان حججاً واهية... فإلى تفاصيل الحوار:
أنت تعملين في جامعة رايسون وهي الجامعة التقنية بمدينة تورنتو، مع أنك متخصصة في التاريخ وبصورة خاصة تاريخ اليمن، فهل يحظى هذا التخصص بإقبال الطلاب؟
- نعم، هناك اهتمام كبير بهذا التخصص، لقد اعترضت إدارة الجامعة في البداية على تقديم هذا التخصص للطلاب، لأنها اعتقدت أن من يريد دراسة هذه العلوم الإنسانية فإنه لن يأتي إلى جامعة تقنية، لكننا وجدنا في السنة الأولى 60 طالباً يسجلون عندنا، ثم زاد العدد إلى 80 طالباً، ومن المتوقع أن نحتاج إلى المزيد من المقاعد لاستيعاب الإقبال المتزايد على هذا التخصص.
هل يدرس الطلاب لديك كيف نشأت العلوم وكيف تطورت على مر الزمن؟
- نعم، بالضبط هذا ما يدرسونه، على فكرة لقد تخصصت في دراستي الجامعية في مرحلة ما قبل الإسلام، وكتبت رسالة الدكتوراه عن «أنظمة الري في مأرب، في عصر الملكة سبأ» في اليمن، وهو موضوع متعلق بالحقبة التاريخية عام 1000 قبل الميلاد، وهنا أود أن أصحح معلومة متداولة.
وأنبه إلى أن العلوم لم تبدأ في فترة الإسلام فقط، بل كانت موجودة من قبل، فالعلم لا يبدأ فجأة، بل يبني كل جيل إنجازاته العلمية على أساس المعرفة التي وصل إليها الجيل الذي قبله، وكذلك الاعتقاد بأن العلوم انهارت واختفت بعد قدوم المغول، هو أيضاً غير صحيح، لأن النهضة العلمية استمرت سنوات طويلة، وأمكن التوصل لاكتشافات علمية مهمة.
حاضر العالم العربي
حسناً، لنترك التاريخ وننتقل إلى الحاضر.. كيف ترين حاضر العالم العربي؟
- ليس في أحسن أحواله، لكن هذه حال جميع الحضارات، تشهد ازدهاراً يعقبه تدهور، والأمر ذاته حدث مع الغرب، ولذلك نتحدث عن قرون الظلام في أوروبا في العصور الوسطى. المشكلة التي يواجهها العالم العربي أن هناك أشخاصاً يملكون الصوت العالي، ويرفضون حدوث التغييرات القادمة من الغرب، يرون أن هذه التغيرات ليست مناسبة للعالم الإسلامي، بل ويريدون أن يعيشوا في عزلة عن الآخرين، إنهم يرفضون بعض مجالات العلوم أيضاً، مع أن القرآن يدعو إلى العلم وإلى التفكير ولا يمنع التفكير الناقد.
مجال عملك يربط بين التاريخ والعلوم.. فما رأيك في الربط بين ما ورد في القرآن والسنة والنظريات العلمية الحديثة وما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن والسنة؟
- أرى أن هذا الأمر خطير للغاية، لأن البعض يحاول تفسير القرآن تبعاً لهذه النظريات العلمية، أشعر أنهم يقومون بتأويل القرآن والسنة بالطريقة التي تجعل النصوص الدينية قريبة من هذه النظريات، أعتقد أن الرسول لم يكن يقصد هذه المعاني.
ولا يجوز استخلاص أشياء لم ترد في هذه النصوص، ولا يقلل ذلك من قيمة النصوص الدينية أبداً، وأحذّر من أن نصل إلى مرحلة يقال فيها هذه العلوم جيدة لأنها موافقة لما ورد في النصوص الدينية، وهذه العلوم غير جيدة لأنها تختلف مع النصوص الدينية.
هل هناك مشكلة في التعليم في العالم العربي؟ ماذا لاحظت في طلابك ذوي الأصول العربية الذين يدرسون لديك في تورنتو؟ هل هناك فرق بينهم وبين زملائهم من الكنديين؟
- نعم هناك فرق بينهم، وحتى لا أعمم الأحكام أقول إن غالبية الطلاب العرب لا يسمحون لأنفسهم بالنقد، لم يحدث أن جاء أحد منهم إلى غرفتي ليقول لي إنه غير مقتنع بما ذكرته في المحاضرة، أو أنه يختلف معي في الرأي، أو يرى أن ما قلته متناقض مع ما قرأه في مصادر أخرى. لذلك فإنني أستخدم أحياناً نصوصاً غير جيدة، فيها تناقض أو لغة غير مفهومة أو فيها تجاهل للمراجع، وأسعى مع هؤلاء الطلاب لتعلم التفكير النقدي، وألا يتقبلوا الآراء لمجرد أنها وردت في كتب، أو لأن من قالها هو أحد علماء العصور الماضية.
ربما لأننا نتعلم في بلادنا أن نصمت حين يتكلم الأب.. وحين يصعد الإمام المنبر.. وحين يقف الأستاذ الجامعي ليلقي محاضرة.. كلهم فوق النقد. لكن هل يؤثر عدم القدرة على النقد في البحث العلمي؟
- نعم، أرى أن ذلك يضر بالقدرة على البحث العلمي. عموماً هذه القضية كانت مطروحة في القرون الأولى من الإسلام، وهي السؤال عن إمكان أن يتفوق التلميذ على معلمه، البعض اعتبر أن التلميذ يدين بعلمه إلى معلمه الذي لقّنه كل شيء، والبعض الآخر يرى أن المسألة ليست تلقين العلم، بل يكون دور المعلم مقتصراً على تشجيع التلميذ ليصل إلى العلم بنفسه، ربما أعطاه بعض المحفزات الفكرية لاستثارة قدرته على التفكير، لكن يبقى على التلميذ أن يقوم باستكمال المهمة بنفسه، وأن يتعلم اعتماداً على ذاته، وبالتالي يمكن أن يتفوق على معلمه.
هناك دوماً تركيز من الغرب على قضايا المرأة المسلمة وأوضاعها.. سواء كانت تعيش في العالم العربي أم داخل أسرتها المسلمة في الغرب.. هل تشعرين باختلاف بين طالباتك المسلمات وزميلاتهن الكنديات؟
- داخل الجامعة لا يوجد فرق بينهن، لكن حبي للعالم العربي يجعلني أهتم بالطالبات العربيات، وأسمع منهن بعض الصعوبات التي تواجههن حين لا يجدن أي تشجيع من الأهل للالتحاق بالجامعة، فبعض الأهل يرى أن مكانهن في البيت ولا حاجة بهن للدراسة الجامعية.
وإذا سمحوا لهن فإنهم يربطون ذلك بدراسة تخصص يصلح للمرأة بحسب رأيهم، مثل أن يصبحن معلمات. إنني ألمس لدى الطالبات العربيات حماسة كبيرة للدراسة، وكثيراً ما يتفوقن على الطلاب، إنهن ذوات عزيمة قوية ويشاركن بآرائهن في المحاضرات، وهن الأقرب للتفكير النقدي من غيرهن.
هل تختلف دراسة علوم الإسلام في جامعات كندا عن الدراسة نفسها في الجامعات الألمانية؟
- أعتقد أن هناك اختلافاً، لأن غالبية طلابنا في كندا ترجع أصولهم إلى دول إسلامية، فنأخذ ذلك في الحسبان، ونراعي حاجاتهم الأكاديمية، أما في ألمانيا فإن دراسة الاستشراق لها تقاليد عريقة، وهناك أسماء كبيرة من الأساتذة المرموقين يعرفون أن الطالب الألماني مازال ينظر إلى الشرق بشيء من الغرابة والصور النمطية.
11 سبتمبر وصورة الإسلام
هل صورة الشرق في كندا ممزوجة أيضاً بهذه الغرابة؟
- كندا دولة مهاجرين، تنظر إلى الشرق كما تنظر إلى أفريقيا أو أميركا اللاتينية أو آسيا.
كيف أثرت أحداث 11 سبتمبر على صورة العرب والمسلمين في كندا؟
- هل تصدق أن هذه الهجمات التي جرت في عام 2001 كانت فرصة للإقبال على دراسة الاستشراق وعلوم الإسلام في أوروبا وأميركا الشمالية، لأن الناس اكتشفوا فجأة أنهم لا يعرفون عن الشرق إلا القليل، منذ ذلك الحين زاد الاهتمام بدراسات الاستشراق، وأصبحت الدعوات تأتيني لإلقاء المحاضرات للتعريف بالشرق، الطلاب يريدون أن يفهموا ما حدث، مع العلم بأن هجمات 11 سبتمبر، لا يمكن فهمها من خلال التركيز على 10 أو 20 سنة فقط، بل يجب العودة إلى التاريخ لفهم هذه الأحداث، ولنعرف أين حدثت الفرقة والشقاق بين الشرق والغرب، لقد أصبح الطلاب يدرسون هذه العلوم بدافع من الرغبة في المعرفة، ولشعورهم بأن هناك حاجة لسد ثغرات المعلومات لديهم.
كيف يفكر الكنديون في أسباب حدوث هجمات 11 سبتمبر؟
- الإنسان الكندي متوسط الثقافة حصل في السنوات العشر الماضية على كم كبير من المعلومات، وأدرك أن تعامل الغرب مع العالم الإسلامي بتكبر واستعلاء، ليس في الجانب الاقتصادي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الفكري، هذا التعامل أدى إلى رد فعل عنيف، لم يعد الكثيرون من الكنديين يعتقدون بصدق الإجابات الساذجة من نوعية: «إنهم يكرهوننا لأنهم مسلمون ولأننا مسيحيون»، أصبح الناس هنا يدركون أن الغرب لا يفكر إلا في مصالحه الاقتصادية، وحين يتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان في العالم الإسلامي فإنه يداري بذلك على أهدافه الحقيقية.
وكيف تلقّى الإنسان الكندي هذه المعلومات؟
- كانت بمثابة الصدمة له، أدرك أن الحرب في العراق كانت مدفوعة في المقام الأول بالمصالح الاقتصادية، وبالنفط تحديداً، أفاق الناس من ثباتهم. إنني أقارن ما حدث في وعي الناس بعد هجمات نيويورك بما حدث بعد الحرب العالمية الثانية.
حين اكتشف الناس الويلات التي حدثت أثناء الحرب، لم يعد بمقدورهم أن يقولوا إنهم لم يكونوا يعرفون شيئاً مما يحدث، لو أرادوا أن يعرفوا الحقيقة لتوصلوا إليها، الصدمة نفسها تكررت، وأصبح الناس ينظرون إلى العالم الإسلامي بصورة مختلفة عما كانت عليه الحال قبل 10 سنوات.
اليمن والتاريخ
لماذا تتحدثين عن اليمن بانبهار البروفيسور نفسه قبل حوالى ثلاثة عقود؟
- أكثر ما أحترمه في هذا البلد أنه شديد الاعتزاز بتاريخه، ولا يقبل النيل من شأن هذا التاريخ العريق، لقد لاحظت على بعض الزملاء أنهم يتجاهلون فترة ما قبل ظهور الإسلام، لكن في اليمن الوضع مختلف تماماً، فهم يعتزون بفترة ما قبل الإسلام وما بعده، هذا الاعتزاز يجعل الدولة ثرية بتراثها، ويجعل الحديث مع أي يمني راقياً جداً، لأن فيه الكثير من الاقتباسات من التاريخ بصورة لم أجد لها مثيلاً في أي مكان آخر من العالم.
الإنسان اليمني يرتدي زياً تقليدياً ويضع الخنجر في حزامه على عكس الأوروبي سواء كان من بريطانيا أو إيطاليا أو إسبانيا.. كلهم يرتدون ملابس متشابهة ويأكلون في «ماكدونالدز» ويشربون القهوة في «ستارباكس» ومع ذلك تتحدثين عن الإنسان اليمني من دون استغراب.. فكيف استطعت تجاوز هذا الشعور بالغرابة؟
- انظر، إنني باعتباري امرأة أستطيع أن أدخل عالم الرجال وعالم النساء، أتحدث مع الجميع، ألمس الذوق الشديد من الجميع، المرأة اليمنية تفيض حناناً وعطفاً وكرماً، عندما كنت أجلس في ركن من المنزل لكتابة التقارير العلمية أو لإعداد قائمة بالحسابات، كانت سيدة يمنية تأتي أو ترسل لي ابنتها حتى تؤنس وحدتي، ليس لإزعاجي بالحديث بل لمجرد نشر الدفء والألفة أينما كنت، هذه التجارب تزيل أي شعور بالاستغراب.
هل كانت لك أية علاقة بالمملكة العربية السعودية؟
- للأسف لم أزر المملكة قطّ، واقتصرت علاقتي بها على التعرف على زميل كان يدرس اللغة الإنكليزية في أوتاوا في كندا لمدة عام كامل وأتقنها بسرعة، وكان يقوم بأبحاث مشابهة لأبحاثي، لكن على الشطر السعودي من الحدود شمال اليمن، وهذه مناطق لا يؤثر كثيراً أن تقع في حدود المملكة أو داخل اليمن، الآثارنفسها، والناس أنفسهم.
هل هناك فرق بين طلابك في ألمانيا وطلابك في كندا؟
- لا بد أن أشير إلى أن جامعة جوتنغن هي إحدى جامعات الصفوة، فيها كل التجهيزات التي يحتاجها الأستاذ والطالب، فيها مكتبة ضخمة جداً، نسبة الطلاب إلى الأساتذة 12 إلى 1، أما في جامعتي في كندا فإنني ألقي محاضرة على 60 طالباً وطالبة، ولا أستطيع بأي حال أن أراعي الفروق الفردية والصعوبات التي تواجه كل واحد منهم، الواقع مختلف تماماً، ولذلك فإن المستوى مختلف أيضاً، لكن دعني أقول لك: لو أتيحت لطلابي في كندا الظروف نفسها لأصبحوا بمستوى طلاب جوتنغن نفسه.
هل ترين أن هناك إمكاناً لالتحاق الطلاب السعوديين بجامعات كندا لفترة فصل أو فصلين حتى ولو واجهوا صعوبة بسبب اللغة الإنكليزية؟
- من المؤكد أن يكون هناك إمكان لذلك في المملكة لتحسين مستوى اللغة الإنكليزية، واجتياز اختبار «التوفل»، الذي يعتبر شرطاً لالتحاق الطلاب القادمين من دول لا تتحدث الإنكليزية، وأؤكد لك أن كل الأساتذة الجامعيين في كندا يهتمون بالطلاب الأجانب القادمين من دول غير ناطقة بالإنكليزية، ويسعون لمساعدتهم.
هل هناك رسوم دراسية في جامعات كندا؟
- نعم الرسوم مرتفعة جداً مقارنة مع جامعات ألمانيا، ولذلك لا أتفهم شكاوى الطلاب الألمان من دفع رسوم دراسية رمزية مقارنة مع زملائهم في كندا. عموماً توجد منح دراسية للطلاب المتفوقين في كندا، أما بالنسبة إلى الطلاب الأجانب، فغالباً ما تتولى مؤسسات من بلادهم دفع هذه الرسوم عنهم، وهو الأمر الذي يحدث أيضاً مع طلاب المملكة من دون شك.
منذ تولى الملك عبد الله الحكم في المملكة وهناك برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي كان من نتائجه وجود أكثر من 120 ألف طالب وطالبة في جامعات العالم حتى الآن.. فماذا تتوقعين من هذا البرنامج؟
- سيكون له من دون شك نتائج إيجابية لن تقتصر على هؤلاء الطلاب، بل ستشمل المجتمع كله، وهناك دور لا يقل أهمية وهو أن تتعرف الدول التي يدرس فيها الطلاب السعوديون عليهم، ويتعرفوا على الصورة الحقيقية للمملكة وشعبها، كما أتوقع أن ينقل المبتعث إلى بلاده بعد عودته الخبرات التي اكتسبها في الخارج، وبذلك تعم الفائدة على الجميع.
صورة السعودي غير إيجابية
كيف يرى المواطن الكندي المملكة؟ وهل تختلف الصورة عما يعتقده الألمان؟
- للأسف الصورة غير إيجابية، مليئة بالأحكام المسبقة، لأن ما تقدمه وسائل الإعلام هو الثراء الفاحش، والمراكز التجارية الضخمة والحديثة للغاية، وسيدات غير مسموح لهن بقيادة السيارات.
لو أمكن فتح الحدود أمام الزوار من جميع أنحاء العالم لتغيّرت الصورة بشدة. الأمر نفسه يسري على اليمن، عندما أقول إنني سأسافر للعمل في اليمن، ينظر الناس إليَّ في ذهول واستنكار لا حد لهما، لو سافر هؤلاء إلى المملكة وإلى اليمن لرأوا الأمور بصورة مختلفة تماماً.
لا أعرف إذا كان مسموحاً للزائر الأوروبي أن يتحدث مع المواطنين السعوديين، لكن في اليمن الناس عندها فضول، ويطرحون الكثير من الأسئلة، ويقدمون الدعوة لزيارتهم في بيوتهم.
هل هناك جالية إسلامية في كندا؟
- نعم هناك مسلمون جاءت غالبيتهم من باكستان والهند، ومن العالم العربي.
في رأيك يرحب المجتمع الكندي بوجودهم عن طيب خاطر أم يقبل بهم على مضض؟ وهل هناك قيود على ممارسة شعائر الدين الإسلامي؟
- تورنتو مدينة المهاجرين من كل مكان، فيها الكثير من الجماعات الدينية والعرقية المتباينة، يسود بينهم السلام الاجتماعي، كل واحد يمارس شعائر دينه بحرية، لا يحاول أحد تبشير الآخر، المسلمون والمسيحيون والسيخ كلهم يعيشون سوياً من دون خلافات أو توترات.
هل هناك قيود على ارتداء الحجاب أو النقاب في كندا؟
- لا توجد أي قيود بهذا الشأن، وأنا أرفض منع الحجاب في أي دولة.
في الغرب هناك طرق للتواصل بين الناس، أولها أن تنظر إلى من تتحدث معه، إن الالتزام بالحشمة في الملابس، مطلب في كل الأديان، وليس حكراً على الإسلام.
أحياناً نشعر نحن المسلمين أن الغرب لا يقبل بوجود قيم مختلفة عن القيم السائدة في أوروبا.. فهل ما تريدونه هو تطبيق قيم كونية لا خلاف حولها مثل عدم ظلم المرأة أو الأطفال أم أن الأمر هو فرض وصاية على العالم العربي والإسلامي أم أن الأمر كله مسألة مصالح فحسب؟
- هذا سؤال صعب للغاية، إذا نظرنا إلى ردود الفعل الأوروبية على «الربيع العربي» لتبيّن لنا بوضوح أن هناك مصالح للغرب في المنطقة، ولا يريد تهديد هذه المصالح، ولذلك فإنه في الحقيقة لم يرد إسقاط نظام حكم الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، لأن الغرب لو أراد ذلك فعلاً لأوقف تقديم المساعدات المالية فوراً، ولأفلست الحكومة خلال فترة وجيزة.
لكن يبدو أن الغرب مازال يؤمن بأن النظام الحالي في صنعاء، هو الضمانة الوحيدة ضد انتشار تنظيم القاعدة في هذه المنطقة الحيوية والمهمة للمصالح الغربية. إن بعض الدول الغربية تستفيد من الأموال الضخمة التي يستثمرها بعض الطغاة من العالم العربي.
وفي المقابل لا تهتم هذه الدول بأن تعود للإنسان العربي كرامته أو أن يحصل على حقوق الإنسان، ويعيش في سلام وديموقراطية. كم كنت أتمنى أن يكون الغرب صادقاً، حين يزعم اهتمامه بالشعوب العربية.
صدام الحضارات
الكل مازال يذكر نظرية صدام الحضارات لصمويل هانتنغتون، واعتباره الحرب القادمة بين الإسلام والغرب.. فكم نحتاج من الوقت لاجتياز هذه الهوة؟ ولماذا يربط بعض القادة السياسيين الأوروبيين رفضهم لحصول تركيا على العضوية في الاتحاد الأوروبي وبين دينها الإسلامي؟
- أتمنى أن تكون المشكلة هنا هي نقص المعرفة فقط، ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن هناك فترات عاش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود في الأندلس من دون أي حروب أو نزاعات، وعندما أشرح هذا الأمر للحاضرين في الندوات يعربون عن دهشتهم.
ويسألون: لماذا لا يحدث هذا الشيء من جديد في عصرنا الحاضر، فأرد على سؤالهم بسؤال: «من كان يصدق حدوث الوحدة الألمانية بين شطري الدولة من جديد؟».
لكن الوحدة الألمانية كانت تجد دوماً أشخاصاً عندهم رؤية مستقبلية وطموحات لتحقيق هذا الهدف.. فهل نجد الآن من يسعى لوحدة المسلمين والمسيحيين؟
- للأسف هناك من يهدم الجسور بين الجانبين، وما ذكره بابا الكنيسة الكاثوليكية في جنوب ألمانيا قبل سنوات عدة عن الإسلام ونبي الإسلام لم يكن مشجعاً على التقارب أبداً، لقد صدمتني هذه الكلمات آنذاك، واستغربت أن تصدر هذه الكلمات من فم إنسان مسيحي مثقف. إنني في انتظار أن يأتي أشخاص قياديون لديهم الرؤية المستقبلية للعمل على التقريب بين الشرق والغرب، كما حدث عندما اتحد شرق ألمانيا مع غربها.
البعض في الغرب يقول إن أئمة المساجد يتطاولون على المسيحيين ويسبونهم في خطبة الجمعة في مقابل عدم تحدث القساوسة بأي شر على المسلمين.. فهل يتحمل أئمة المساجد جزءاً من المسؤولية مثل البابا عن استمرار الفرقة والشقاق بين الجانبين؟
- أتذكر عندما كنت في اليمن كان إمام الجمعة يطالب الناس في خطبته قائلاً بمنتهى الوضوح: «عليكم الابتعاد عن هؤلاء المسيحيين الموجودين في المنطقة هذه الأيام»، إن المسيحية أقدم من الإسلام بقرون، ومرّت بعمليات إصلاحية كثيرة، ولكن هناك نقطة أساسية مشتركة بين الديانتين، وهي أن هناك صوراً متعددة وتفسيرات متباينة للدين نفسه.
إلى أي نتيجة تصل بنا هذه الحقيقة؟
- دعني أقول لك بصراحة إن المسيحية أشد لؤماً ومكراً، فالمسلمون يقولون ما يفكرون فيه، على عكس رجال الكنيسة الذين ينتبهون إلى كل كلمة تخرج من أفواههم، والدليل على ذلك أن هناك مجموعات مسيحية تعتقد بضرورة التبشير بين المسلمين وأهمية إقناعهم بالمسيحية.
هيماير: لو أمكن فتح حدودكم للزوار من جميع أنحاء العالم لتغيرت النظرة!
سيرة ذاتية...
المؤهلات العلمية
- حصلت على ماجستير في الصيدلة ودبلوم في الزراعة ودكتوراه في العلوم الزراعية.
الخبرات العملية
- تعمل أستاذة تاريخ العلوم والتقنية في جامعة رايسون بمدينة تورنتو الكندية،
- تشرف على أبحاث الدكتوراه في كلية الدراسات العليا في تورنتو.
- متخصصة في تاريخ تقنيات إدارة الماء في اليمن القديم، وفي تاريخ العلوم الطبية في العالم الإسلامي.
- باحثة زائرة في جامعة جوتنغن الألمانية في الفترة من تشرين الأول (أكتوبر) 2011 إلى تموز (يوليو) 2012.
الإصدارات
- نشرت الكثير من الأبحاث ونظمت الكثير من المؤتمرات المتعلقة بتخصصها.
العالم الغربي يقلل من شأن علماء المسلمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.