شدد الرئيس الأميركي باراك اوباما، في ختام قمة مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى في ايطاليا امس، والتي جمعت دولاً أخرى نامية واقتصادات ناشئة، على ان المجتمع الدولي «لن ينتظر الى ما لا نهاية» تخلي ايران عن سعيها الى تطوير سلاح نووي، مشيراً الى ان الدول الكبرى ستقوّم موقف طهران في ايلول (سبتمبر) المقبل، وقد تتخذ «خطوات اضافية» اذا لم يكن الرد الإيراني مرضياً. في الوقت ذاته، حذر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف من ان موسكو ستنشر صواريخ «اسكندر» في كالينينغراد على الحدود مع بولندا، اذا أصرت الولاياتالمتحدة على نشر الدرع الصاروخية في شرق اوروبا. وتعهدت مجموعة الثماني والدول الاخرى المدعوة الى قمتها، رصد 20 بليون دولار على مدى ثلاث سنوات لمكافحة الجوع في العالم، فيما طالب الرئيس المصري حسني مبارك قادة المجموعة بتجميد موقت لديون البلدان الافريقية المتأثرة بالازمة الاقتصادية، والى عدم اعتماد نزعة حمائية. واختتمت القمة بالتقاط صور تذكارية، بعد الاجتماع الموسع الذي شارك فيه زعماء مجموعة الثماني (الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وكندا واليابان وروسيا)، وقادة وممثلو أستراليا والجزائر وأنغولا والبرازيل والدانمارك ومصر والهند وإندونيسيا وإسبانيا والصين وليبيا والمكسيك ونيجيريا وهولندا وكوريا الجنوبية والسنغال وتركيا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا، ورؤساء منظمات دولية. وقال اوباما في نهاية القمة: «لا نزال قلقين جداً في شأن الأحداث المريعة التي اعقبت الانتخابات الرئاسية، ونحن منزعجون جداً من مخاطر الانتشار النووي التي يمثلها البرنامج النووي الايراني على العالم». واضاف: «عرضنا على ايران مساراً يقودها الى تبوؤ مكانتها الصحيحة في العالم. الا ان هذا الحق ترافقه مسؤوليات، ونأمل بأن تختار ايران الالتزام بتلك المسؤوليات». واعتبر الحديث عن سعي مجموعة الثماني خلال قمتهم الى فرض عقوبات جديدة على طهران، «غير دقيق». وقال: «القصة الحقيقية تمثلت في حصول إجماع على بيان (المجموعة)، بما في ذلك روسيا التي لا تصدر بيانات بلا مبالاة. القصة الاخرى تتمثل في الاتفاق على اننا سنعيد تقويم موقف ايران حيال التفاوض على وقف سياسة الاسلحة النووية. سنقوّم ذلك خلال قمة مجموعة العشرين» في ايلول المقبل في الولاياتالمتحدة. وزاد ان «المجتمع الدولي قال: ثمة باب تستطيع (ايران) عبوره بهدف خفض التوتر والانضمام في شكل كامل الى المجتمع الدولي. اذا اختارت ايران عدم عبور هذا الباب»، فإن هذا الامر سيثير قلق دول مجموعة الثماني و «اعتقد ان دولاً اخرى عدة ستقول (ايضاً) اننا نحتاج الى اتخاذ خطوات اضافية». وقال اوباما: «لن ننتظر الى ما لا نهاية ونسمح بتطوير اسلحة نووية وانتهاك المعاهدات الدولية، ثم نستيقظ يوماً لنجد انفسنا في وضع اسوأ بكثير من دون التمكن من التحرك». واضاف: «آمل بأن يطّلع القادة الايرانيون على البيان النهائي لمجموعة الثماني، ويلاحظوا ان موقف العالم واضح». وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اعتبر الخميس الماضي ان شن اسرائيل «هجوماً أحادياً (على ايران) سيكون كارثة كبيرة». وقال: «على إسرائيل أن تعرف أنها ليست بمفردها، وعليها أن تتابع ما يجري بهدوء». وجدد الحديث عن مهلة معطاة للايرانيين حتى ايلول المقبل. وقال: «على مدى السنوات الست الماضية، مددنا يدنا قائلين: أوقفوا برنامجكم للتسلح النووي. هل يريدون المحادثات أم لا؟ إذا كانوا لا يريدونها، ستكون هناك عقوبات». ميدفيديف والدرع الصاروخية واكد ميدفيديف ان روسيا ستنشر صواريخ «اسكندر» في كالينينغراد، في حال عدم التوصل لاتفاق مع الولاياتالمتحدة حول الدرع الصاروخية الاميركية في بولندا وتشيخيا. وقال خلال مؤتمر صحافي إثر القمة: «اذا لم نتوصل الى اتفاق حول هذه المسألة، فانتم تعرفون انعكاسات ذلك. ان ما جاء في خطابي الى الأمة لا يزال قائماً». وكان ميدفيديف اكد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، انه «عند الاقتضاء ولتعطيل فاعلية نظام الدفاع المضاد للصواريخ، سننشر في منطقة كالينينغراد مجموعة من صواريخ اسكندر». واضاف ميدفيديف ان الدرع الصاروخية الاميركية «مضرة ولا توفر حماية من تهديدات محتملة»، مشيراً الى ان الرادارات التي ينشرها الاميركيون لتشغيل الدرع «تغطي على نطاق واسع فضاء الاتحاد الروسي». وزاد ان «ما يقلقني هو ان الاميركيين لا يلغون مبادرتهم بل يراجعونها. كيف ستتم ترجمة ذلك، لست ادري». «مجموعة ال14» وبرزت بعد القمة دعوات الى ان تصبح «مجموعة ال14» التي تضم دول مجموعة الثماني ومجموعة الخمس (الصين والهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا) إضافة إلى مصر، مركز اتخاذ القرارات المصيرية مستقبلاً وليس مجموعة الثماني، بهدف التصدي للتحديات الكبرى وبينها الاحتباس الحراري والازمة الاقتصادية العالمية. وقال اوباما: «ثمة أمر صحيح لا شك وهو ان الاعتقاد ان بإمكاننا في شكل ما التعامل مع تلك التحديات العالمية في غياب قوى كبرى مثل الصين والهند والبرازيل، يبدو خاطئاً». واضاف: «نحن في مرحلة انتقالية». وجاء تصريح اوباما بعد قول رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلوسكوني في مؤتمر صحافي في ختام القمة: «أعتقد أن مجموعة ال14 ستتمتع بالقوة في المستقبل، ويمكن أن تصبح قوة أساسية في الحكم العالمي للأرض». وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قال الخميس الماضي: «اعربنا مع الرئيس (البرازيلي لويز ايناسيو) لولا (دا سيلفا) عن عزمنا على تطوير مجموعة الثماني. هذا لا يعني ان مجموعة الثماني لا فائدة لها، بل من الواضح ان تمثيلها غير كاف» لمواجهة التحديات الكبرى المطروحة. واضاف: «هناك مجموعة الثماني، ومجموعة الخمس ومجموعة الست. اقترحنا مع لولا ان نضم المجموعتين في اقرب وقت ممكن، لتشكل مجموعة ال14». لكن هذه الصيغة تستبعد العديد من الاقتصادات المهمة في افريقيا واميركا اللاتينية وآسيا والعالم العربي. ومع اندلاع الازمة الاقتصادية العالمية، امسكت فعلياً بزمام الامور «مجموعة العشرين» التي تضم بلدان مجموعة الثماني ومجموعة الخمس، اضافة الى الارجنتين واستراليا واندونيسيا والسعودية وكوريا الجنوبية وتركيا والاتحاد الاوروبي. مكافحة الجوع وتعهدت مجموعة الثماني والدول الاخرى المدعوة الى قمتها، رصد 20 بليون دولار على مدى ثلاث سنوات لمكافحة الجوع في العالم. واعلن القادة في بيان بعنوان «مبادرة لاكويلا حول الأمن الغذائي»: «نبقى قلقين ازاء الأمن الغذائي العالمي وأثر الازمة المالية والاقتصادية وارتفاع اسعار المواد الغذائية السنة الماضية، والذي يصيب الدول الأقل قدرة على مواجهة تفاقم المجاعة والفقر». وقال رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلوسكوني: «شعرنا بالرضى للتمكن من رفع (المبلغ) من 15 الى 20 بليون دولار»، وهو مبلغ تجاوز بخمسة بلايين الرقم المحُدد سابقاً. وكان قادة الدول الثماني وعدوا خلال قمتهم عام 2005، بزيادة المساعدات السنوية بقيمة 50 بليون دولار بحلول عام 2010، كان نصفها موجهاً للدول الأفريقية. واعتبر مدير عام منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (فاو) جاك ضيوف بيان مجموعة الثماني «غير كاف، لكن مقارنة بما كنا عليه، من المؤكد أن هذه قفزة هائلة». وقال: «الجديد والمشجع هو أنه للمرة الأولى هناك قرار بتغيير السياسة. اذا كان علينا إطعام بليون جائع، فيجب أن نساعدهم على إنتاج غذائهم». وخلال جلسة عمل موسعة لمجموعة الثماني (المانيا وكندا والولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وايطاليا واليابان وروسيا) مع قادة الجزائر وأنغولا وإثيوبيا ونيجيريا والسنغال وليبيا وجنوب افريقيا وخُصصت لبحث انعكاسات الأزمة العالمية على افريقيا، دعا الرئيس المصري حسني مبارك البلدان الغنية الى «الموافقة على تجميد موقت للديون الافريقية». واشار الى ضرورة «توفير قروض لبلدان القارة (الافريقية) بشروط تفاضلية» و «استكشاف وسائل تعويض العجز المتوقع في مستوى تمويل التنمية الناجم عن الأزمة الحالية في الاقتصاد العالمي» وعدم اعتماد نزعة حمائية. واعتبر مبارك أن «نجاح الشراكة بين مجموعة الثماني وافريقيا، ستظل مرتبطة بقدرتها على التعامل مع عناصر الوضع الراهن» و «على مدى تحقيق هدف واضح لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية». الاحتباس الحراري وأكد ميدفيديف أن روسيا مستعدة لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول عام 2050، بما لا يقل عن 50 في المئة، مقارنة بمؤشر عام 1990. وقال إن «روسيا تقوم بهذه الخطوة ليس لأنها تروق للبعض، بل لتطوير ترشيد الطاقة وبالتالي تطوير الاقتصاد الوطني». وكانت الدول ال16 الرئيسية المسؤولة عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري اتفقت في لاكويلا على ان «متوسط ارتفاع حرارة الارض ينبغي الا يتجاوز درجتين مئويتين، مقارنة مع المستوى الذي كان عليه قبل العصر الصناعي»، أي نهاية القرن الثامن عشر. وكانت مجموعة الثماني وافقت الاربعاء الماضي على خفض الانبعاثات العالمية بمعدل النصف بحلول عام 2050، وبمعدل 80 في المئة بالنسبة الى الدول الصناعية، مقارنة مع مستويات عام 1990.