يشير احمد العربي، النقيب المنشق من الجيش السوري الى مبنى ابيض على هضبة مقابلة لحيث نقف عند الحدود اللبنانية - السورية لجهة جبال أكروم ويقول: «انهم هناك (في إشارة الى الجيش السوري). من هنا يتقدمون باتجاه الاراضي اللبنانية ومن هنا يطلقون النار في هذا الاتجاه». ما لم يفصح عنه النقيب الذي انشق في 7/5/2011 وانضم الى «حركة الضباط الاحرار الى جانب كل من المقدم حسين الهرموش والرائد رياض الاسعد»، إنه من هنا أيضاً، أو أبعد بقليل، يتوجه هو الى حمص في شكل دوري للمشاركة في الأعمال العسكرية التي يقودها الجيش السوري الحر. يفضل العربي الذي اختار لنفسه اسماً حركياً عدم الخوض في هذه التفاصيل، لكنه يعرض في المقابل مساعدته بتمرير الصحافيين الراغبين بتغطية الأحداث عن قرب. ويقول: «الاجانب أكثر جرأة من العرب. كل الصحافيين الذين سهلنا عبورهم الى الداخل أجانب وغربيون خاطروا بحياتهم لنقل قصتنا الى العالم. أما العرب فأقصى ما يصلون اليه هو هذه النقطة الحدودية»! والنقيب العربي الذي خدم 29 عاماً في الجيش السوري، قضى 17 منها في فرع الأمن العسكري في المهاجرين في دمشق مراقباً الصحف العربية والأجنبية فيقتطع ما لا يتلاءم منها وتوجهات النظام ويرفع التقارير الامنية بكتّابها ومراسليها. ويقول: «كان عملي يقضي بأن أراقب كل ما يكتب ضد النظام والعائلة وأرفع نشرة مفصلة تذهب الى مكتب الرئيس مباشرة وتقارير تذهب الى شعبة المخابرات العسكرية». ويروي العربي قصة انشقاقه فيقول: «قبل اندلاع الاحتجاجات بمدة كنت طلبت نقلي الى مدينتي حمص. فأنا ابن القصير وطال بقائي في دمشق فتمت تلبية طلبي قبل أشهر قليلة. وعندما بدأت الاحتجاجات، ولكوني أصبحت في موقع ضابط ميداني، كان عليّ أن أشارك في حملات قمع التظاهرات. في ذلك الوقت كانت تصلنا دوريات من قيادة الجيش بأن بعض الجهات يدفع المال لعصابات مسلحة بهدف زعزعة الامن في البلاد وبالتالي فإن واجبنا الوطني يقضي بمنعهم. وللحقيقة في الاسبوعين الاوّلين لم تأت أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين واعتقدنا أن المسألة ستنتهي قريباً. وفي نهاية الأسبوع الثاني، أعطينا ضوءاً أخضر من القيادة ب «قطع الرؤوس» وفعل كل ما يلزم لوقف التظاهرات». ويتابع: «في الاشهر الاولى لم أر مسلحاً واحداً بين المتظاهرين وكان عدد من الجنود والضباط يتململون من اوامر اطلاق النار على المدنيين، لكن أحداً لم يتجرأ على البوح أو الاعتراض على اوامر القيادة. ثم عندما توالت المهمات المطلوبة مني، ورأيت المجازر والاعمال غير الانسانية ما عدت قادراً على التحمل فرفضت اطلاق النار على إحدى تظاهرات حمص. عندها أحالوني إلى اللجنة الأمنية وأيقنت أنهم سيقتلونني لأن الانشقاقات كانت لا تزال قليلة وتمت تصفية كثيرين لرفضهم اطلاق النار». ولا يخفي العربي أنه في البداية لم يكن ينوي الانشقاق بالمعنى الفعلي والمشاركة في اي عمل عسكري لاحق، فكل ما أراده النجاة بحياته وحياة عائلته، وهو ما اقدم عليه في الليلة ذاتها. يقول: «سهّل بعض العناصر وصولي الى بلدتي القصير، ومن هناك قطعت المسافة الى لبنان متنقلاً بين دراجة نارية وسيراً على الأقدام. في ذلك الوقت لم تكن مجزرة القصير قد وقعت بعد، كما كانت مسام الحدود لا تزال أكثر نفاذاً من اليوم. من الوادي انتقل العربي الى تركيا والتقى بالهرموش وضباطاً آخرين وقرر الانضمام الى حركة الضباط الاحرار التي كانت النواة الاولى للجيش السوري الحر، وتضاربت المعلومات أخيراً حول مقتل الهرموش من اعتقاله. ومن هناك عاد الى القصير حيث شكّل مع آخرين مجموعات قتالية من جنود منشقين. ويقول: «كان عملنا الاساسي يقوم على حماية المتظاهرين السلميين من الشبيحة وعناصر المخابرات فنطوّقهم بسيارات عليها رشاشات ولم تكن الدبابات قد استخدمت بعد. أما اليوم فصار في امكاننا تنفيذ عمليات نوعية لأن عديد الجيش السوري الحر يقارب 60 ألفاً». وفي وقت تشعب «الجيش الوطني الحر» بين قيادة رياض الاسعد وقيادة مصطفى الشيخ أو حتى الهرموش الموجودين خارج سورية، يبقى الميدان لمن يسيطر عليه فعلياً. لذا يمكن العربي أن يعرّف عن نفسه بصفته «القائد الميداني لمنطقة حمص» كما قال من دون أن يكون مبالغاً ولا دقيقاً. فمن يعطي الاوامر لعناصر الجيش الحر بإطلاق النار أو تحصين منطقة دون أخرى؟ لا يمكن العربي أن يجيب سوى بأن واقع الارض يفرض على الضابط الميداني اتخاذ قراراته. ويشرح متابعون ان صفة القيادة ليست حكراً على ضابط معين تماماً كما ان الجيش الحر ليس مكوناً واحداً. فطريقة عمله تشبه الى حد بعيد اسلوب الانتفاضات الشعبية المسلحة بحيث تتشكل المجموعات التي تضم الجندي المنشق والمدني الذي يحمي بيته وعائلته، و «القبضاي» الراغب في الدفاع عن حيّه ومنطقته. ويعمل هؤلاء بقيادة ضابط يكون مسؤولاً عنهم وتقع على عاتقهم حماية منطقة معينة أو حي أو شارع من دون أن يكون هناك بالضرورة تفويض مباشر أو تنسيق يومي مع القيادة. وبهذا المعنى يتعدد القادة الميدانيون كما تتنوع عملياتهم التي يفترض أن تصب في هدف واحد، هو في هذه الحالة مواجهة الجيش النظامي لحين إسقاط النظام. وعن التسليح يقول العربي: «نرحب بقرار تسليحنا لأن ذلك يبقى أفضل من التدخل الاجنبي، خصوصاً ان امكاناتنا اليوم متواضعة ونعتمد على اسلحة خفيفة بالمقارنة مع ما يستخدمه النظام». ويوضح النقيب ان بعض عناصر الامن والضباط يقومون ببيع السلاح والذخيرة من مستودعات الجيش، ولا يتوانون عن العمل كتجار فعليين. ويقول: «نحن في حرب فعلية، وإذا توافرت لدينا الصواريخ المضادة للدبابات، يمكننا أن نحسم المعركة في يومين. فنحن نحارب بعقيدة قتالية واضحة، أما الجيش فيقاتل بمعنويات ضعيفة من أجل بقاء عائلة». أما دخول السلاح عبر الحدود اللبنانية، فقضية يتحفظ عنها العربي، ويرجعها الى أربابها، فيقول: «لا سبب يجعلنا نخاطر بتهريب السلاح. فالتجار يوصلونه الى الداخل وبأسعار مخفضة. سعر الطلقة عندنا 50 ليرة سورية (أي نحو دولار ونصف الدولار)، أما هنا فتتجاوز الدولارين... نحن في النهاية مقاتلون ولسنا تجاراً، نفضل أن نعطي خبزنا للخباز».