الكتابة في أجناس أدبية متعددة ومتباينة، كمن يكتب شعراً وقصة ورواية أو من يمارس النقد والكتابة الإبداعية، كيف يتعامل المبدع مع هذه القدرات ومتى يختار أي نوع من الكتابة، وهل يطغى جنس أدبي على آخر؟ أسئلة تطرحها «الحياة» على مبدعين يمارسون الكتابة في أجناس أدبية متنوعة. يحلل الروائي والشاعر والناقد أحمد الواصل هذا الأمر تاريخياً، فيقول: في أول القرن العشرين احتاجت الثقافة عملية ضخ «أجناسي أدبي» أو كتابات إبداعية تضيء عتمة زوايا الأنواع الأدبية. إما بأن نرى من كتب في التاريخ يكتب رواية أو قصة مثل: طه حسين وعباس محمود العقاد، وفي مشهدنا المحلي أحمد سباعي ومحمد علي مغربي وإما أن يتحول الشاعر إلى ناقد تبشيري بإبداعه الشعري منذ أحمد زكي أبو شادي ومحمد حسن عواد ونازك الملائكة وجبرا إبراهيم جبرا وأدونيس. وتكرست صورة الشاعر الذي ينقله الشعر إلى الملاحم الشعرية أو المسرح الشعري مثل أحمد شوقي وجميل صدقي الزهاوي وسعيد عقل وحسين مردان، ثم في فترة لاحقة الثلث الأخير من القرن العشرين صورة الشاعر المنتقل إلى الرواية في مرحلة النص المفتوح أو الكتابة عبر النوعية، كما عند إدوار الخراط وإبراهيم نصر الله وسليم بركات وعباس بيضون، ولكن أن يكون هناك من هو شاعر وروائي وناقد ومترجم تكرست بصورة كبيرة في منتصف القرن العشرين الثاني». أما الشاعر والروائي والناقد حامد بن عقيل فيقدم رؤية مستقبلية للكتابة في أجناس أدبية عدة، قائلاً: «في ما يتعلق باختلاف الأجناس الأدبية التي كتبتها، أرى أن الكتابة هي كل ما سيبقى في النهاية. لدي يقين أن الأنواع والأشكال الأدبية إلى زوال. الأجناس الأدبية قد تكون مفيدة في دراسة ظاهر النصوص والمقارنة بينها وتصنيفها، لكنها، مع الوقت، تتحول لقواعد كتابة. إن أهم إشكالات الأجناسية تكمن في تحوّل السمات المشتركة لمجموعة من النصوص من سمات فرز تالية لصدور العمل ونشره وتتعلق بالقراءة فقط؛ إلى خصائص فنيّة ملزمة للكاتب، سابقة لصدور العمل ويُراد منه الالتزام بها، سواء كان ذلك بوعي منه أو من دون وعي. ويلتقي الشاعر والقاص ماجد الثبيتي مع هذا الرأي من زاوية أخرى فيقول: «باعتقادي أن الكتابة الأدبية الجديدة مفتوحة على النص وغير محدودة في إطار التصنيف ما قبل الحداثي». ويعتبر الدافع الإبداعي للكتابة «معني بالتنوع وبأصناف إبداعية أدبية جديدة وملتبسة على التصنيف». ويعود أحمد الواصل متحدثاً عن بعض الأدباء الذين أهملوا جانباً إبداعياً مركزين على جانب آخر «ولعلنا لا ننسى أن هناك نقاداً خسرهم الشعر مثل محمود أمين العالم ومنيف موسى، بينما هناك من خسرهم السرد مثل لويس عوض وغالي شكري. وهؤلاء لم ينموا مواهبهم مقابل أن الإطار الأكاديمي شغلهم ولم يوازنوا، وهذا يخرج كل النقاد أو الباحثين القادمين من الإطار الأكاديمي». وتتناول الشاعرة والمترجمة والقاصة تركية العمري الأمر من جهة تخصها، فتقول: «عندما يمتلك الكاتب أكثر من موهبة إنسانية إبداعية فهذا يشكل إثراء إبداعياً بالنسبة له، وأيضاً هاجساً جميلاً ومتعباً يرهقه من خلال رغبته الملحة في تحقيق الجمال في كل مواهبه. في بدء كتاباتي طغى الشعر على كتاباتي، حيث اقتسمت الشاعرة مع الساردة مشاعر الشخوص وأمكنتهم وأزمنتهم، أما الآن فإن لغة الشاعرة تركية العمري سماء لازوردية تظلل سرد القاصة تركية العمري الذي ينبت من قلب أديم الأرض، أما الهاجس الذي يلاحقني هو رغبتي أن أكون شاعرة فاتنة، وساردة بالفتنة ذاتها». ويعود حامد بن عقيل للحديث عن تجربته الشخصية، ليوضح «قبل كتابتي لرواية «الرواقي» أصدرتُ ثلاثة كتب تحت مسمى «سيرة افتراضية»، إنها كتابة فنية بحتة لا تقبل التصنيف. هذه هي طريقتي في قول إن الكتابة هي ما يجمع كل النصوص الأدبية، وهي المسمى الوحيد الذي سيبقى. أما نشاطاتي الأخرى فإنني أحاول أن يكون لي دور مستقل عن المؤسسات الرسمية لنشر ما لدي، وللمساهمة في نشر ما أراه رافداً للوعي العربي، على رغم كل صعوبات ممارسة المثقف لأدوار مستقلة في العالم العربي إلا أنني أرى أنها طريقي الوحيدة». فيما يتناول أحمد الواصل أيضاً تجربته الخاصة في الكتابة المتعددة، قائلاً: «وفي حالتي الشخصية، يبقى أن الشعر والسرد بدآ متوازيين دون غلبة أحدهما على الآخر، وهذا لا علاقة له في سبق نشر الشعر في ديواني «جموع أقنعة لبوابة منفى العاشق» (2002) قبل نشر أول رواية لي «سورة الرياض» (2007) أو القصة القصيرة «قميص جامعة الدول»(2012). وإن كان النقد بدأ باكراً معي حيث تكرس بصورة نهائية عبر جناحي الدراسة والثقافة المستمرتين في مجال تجربة الغناء العربي (بمدارسها واتجاهاتها وأنواعها وألوانها) التي صدر بها أكثر من كتاب منذ «الصوت والمعنى» (2003) حتى «تغني الأرض»(2010)، وفي الأدب شعراً وسرداً – بعض هذا النقد لم ينشر كتباً حتى الآن- وإن كان ظهر أول كتاب هو «ما وراء الوجه: سياسات الكتابة وثقافات المقاومة»(2011). غير أن الزمن كفيل بتقديم ما لا ظهر حتى الآن. هناك توازن كبير بين الموهبة الممتدة والمهارة المكتسبة، فلا أعاني من أي طغيان على رغم أن عملية النشر تحكمها متطلبات خارج الموهبة والمهارة. حين تتكرس بعمود صحافي بأعمال نقدية وبشكل أسبوعي يفترق كثيراً عن امتداد الزمن دون متابعة في نشر نص إبداعي سواء كان شعراً أو سرداً، وهذا ما يرسم صورة وتقييم مغلوطين». ويتناول ماجد الثبيتي تجربته الخاصة في الكتابة المتعددة «كتابتي للشعر وللقصة واشتغالي في مجال الفنون المعاصرة هي أجناس ذات منبع واحد وتنوع مريح وغير مقلق لي شخصياً، فالمهم لدي بشكل رئيس هو المشروع المكتمل دون إخلال بالشروط الفنية وبمستوى جاد وكبير من التجريب وتمرين دائم في مناطق جديدة ومغايرة للجنس الإبداعي، ومؤخراً أجد ذاتي في كتابة النص المفتوح، المنطقة الحرة والبيضاء وغير المحكومة بقوانين وأطر، ذلك الخيار الكتابي يجعلني متسامحاً أكثر وبشكل كبير مع كل التجارب وبتلقي غير متردد أو حذر، كما أن التصنيف من وجهة نظري طوال فترة طويلة سابقة أعاق الكثير من بذور إبداعية وجدت أن الصنف الأدبي ومعاييره الصارمة عائق وحاجز يحول دون الاستمرار أو القبول».