قبل أسابيع شاهدت لقاء تلفزيونياً مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس. وكان من أهم القضايا التي تطرق اليها هذا اللقاء، الربيع العربي وثورات الشعوب العربية. وكون اللقاء كان على قناة فوكس نيوز المتطرفة، كان السؤال الحتمي كيف سمحت السياسة الأميركية بسقوط ( صديق) رائع وبامتياز للإدارة الأميركية وإسرائيل، مع علمها بأن ديموقراطية ما بعد الثورة ستأتي بالإسلاميين حتماً، فكان رد وزيرة الخارجية السابقة - والتي تعارض بالطبع الإدارة الأميركية الحالية، كونها ديموقراطية لا جمهورية - أن قالت: أولاً الإدارة الأميركية لم تكن تملك خياراً فالناس نزلوا الى الشارع ولم ينتظروا أحداً أصلاً. ثانياً نحن في إدارة بوش تنبأنا بهذا وأخبرت شخصياً مبارك مرات عدة أن يصلح قبل فوات الأوان، فكان دائماً يرد بقوله أنتِ لا تعرفين، هذه الشعوب لا تستحق الديموقراطية، ويبدأ بتخويفي بصعود الإسلاميين في حال حصول أي إصلاح. أظن أن رايس صدقت هنا وهي كذوبة. فبُعبُع «الإسلاميين» طالما كان عذر عدم الإصلاح والتغيير. أما اليوم، بعد أن فازوا -وأمر طبيعي أن يحدث ذلك كونهم يخاطبون شعوباً مسلمة ابتداءً، وكونهم كذلك مثلوا المعارضة للأنظمة الفاسدة فترة طويلة- فقد انتهى هذا العذر الباهت وأصبحنا أمام طريقين: إما أن يثبتوا –أي الإسلاميين- أنهم كُفء للإصلاح والتغيير اللذين طالبوا بهما طويلاً، ويكونوا على قدر المسؤولية، ويحترموا الحريات واللعبة الديموقرطية، وهذا ما تطمح له الشعوب. وإما أن يفشلوا ويصبحوا كسابقيهم من الأنظمة الفاسدة، لكن هذه المرة باسم الدين، وحينها فالشعوب التي استطاعت إزالة ديكتاتوريات دامت عشرات السنين، لن تعجز عن إزاحتهم، إما عن طريق الصناديق إذا احترموها، وإلا فعن طريق الشارع والميدان الذي ألِفوه وألِفَهم. المهم حالياً أن من اختار اللعبة الديموقراطية عليه أن يحترم نتائجها طالما كانت ديموقراطية حقيقية نزيهة. أما دعاة «الديموقراطية المشروطة» الذين ينتظرون نتائج معينة، فإذا لم تأت رفضوا النتيجة، فلا بد أن يزولوا كما زالت الأنظمة الفاسدة.