ليس الشرق الأوسط الذي كان المغرب يلعب فيه دوراً في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، هو نفسه ما يتمنى الرئيس الأميركي باراك أوباما على الملك محمد السادس أن يضطلع فيه بوساطة بين اسرائيل والعالم العربي بحثاً عن سلام مفقود. شاءت معطيات اقليمية ودولية أن يستبدل الزعماء العرب لغة المدافع بمصطلحات ديبلوماسية مرنة بلورتها قرارات ومبادرات بلغت أوج الاحتكام الى الشرعية الدولية في قمة فاس العربية لعام 1982. لكن طريق السلام لم يكن مفروشاً بالورود. والراجح أن ما فعله الحسن الثاني في مواجهة مناهضي ذلك التوجه أو الذين كانوا ينتظرون ليروا النتائج، أنه كسر حاجزاً نفسياً وسياسياً في استيعاب هاجس التسوية السلمية لأزمة الشرق الأوسط، لكن من دون أن يلغي الحاجز الكبير الذي ما فتئ يعلو داخل الكيان الاسرائيلي رافضاً مبدأ التسوية وليس شروطها فقط. كان الحسن الثاني يرى أن السلام لا يصنع في لحظات الصدام، وكان ينظر الى الحروب الديبلوماسية على انها أكثر أثراً ونفوذاً من المعارك في ساحة الميدان. وبالقدر الذي جلبت عليه رؤيته مزيداً من الانتقاد من أوساط راديكالية عربية وقتذاك بالقدر الذي كان يُنظر إليه في الغرب كعرّاب سلام من الطراز الرفيع، لكنه رحل وفي نفسه الكثير من خيبات الأمل عبّر عنها صراحة برفضه الاجتماع الى نتانياهو عندما كان رئيس وزراء في طبعة أولى لحكومة اسرائيل. لم تخل تجربة الملك الراحل من تناقضات، فقد راهن على إمكان صنع السلام مع زعامات حزب العمل على رغم أن هذا الحزب قاد أعتى الحروب ضد العرب. لكنه لم يطمئن مرة الى الليكود ولم تفلح جهوده في الانفتاح على اليهود المتحدرين من أصول مغربية في تغيير ولاءاتهم الأكثر تطرفاً. ولا شك أن الرئيس باراك أوباما مهتم بالتاريخ وشغوف بأحداثه وندوبه وأزماته، وإذ يتمنى على العاهل المغربي محمد السادس القيام بدور ما لإنعاش مفاوضات السلام ومعاودة بناء جسور ثقة وهمية، فإنه يريد للمغرب، ومن خلال المنطقة المغاربية، أن يعود الى الواجهة في الاضطلاع بأدوار موازية لتعزيز فرص السلام في الشرق الأوسط. ذلك أن البُعد الجغرافي للمنطقة أهّلها في فترة سابقة للتعاطي مع اشكالات المنطقة بقدر أكبر من الواقعية والعقلانية. انكفاء منطقة الشمال الافريقي عن التزامات بهذا الصدد لا يعزى فقط الى انشغالها بترتيب أوضاعها الداخلية، فهذه الأوضاع لم تكن عائقاً أمام تغليب وازع الانتساب العربي على غيره من الامتدادات، لكنهما الاحباط ونفاد الصبر يهيمنان على الموقف. ولم يعد وارداً لدى زعماء المنطقة المغاربية أن يندفعوا بأكثر من التريث المطلوب أو ينفروا بأقل مما يقتضيه الموقف. وما هو واضح لا يحتاج الى تأويل، فالأزمة ليس مصدرها العالم العربي بشرقه ومغربه، وانما غياب أي رؤية اسرائيلية إزاء مفهوم السلام وإطاره والتزاماته التي لا تزيد عن فاتورة يتعين أداء مستحقاتها. أن يبادر المغرب للقيام بدور جديد فالأمر ليس مستبعداً وفق منظور آخر يضع في الاعتبار أنواع المتغيرات التي عرفتها أزمة الشرق الأوسط، وفي الإمكان أيضاً أن تتلاقى ارادات القيادات المغاربية في مسار كهذا، ولو أنه محفوف بضآلة فرص النجاح، فالمنطقة جزء من العالم العربي مهما اختلفت اسبقياتها، وربما كان الأخطر أنها باتت تتطلع عمودياً نحو الضفة الشمالية للبحر المتوسط بدل استشراف امتدادها الأفقي المحكوم بأواصر الأخوة وروابط التاريخ والدم واللغة والوجود. مع أن رسالة أوباما قد تكون أخطأت في العنوان، لأنها كان يفترض أن تبعث بإشارات قوية الى اسرائيل وليس الى أي طرف آخر، فإن صوابها أنها ستعيد النقاش حول انتساب المنطقة المغاربية وأدوارها، وإذا جاءت البداية من الرباط فإنها توجد في آخر نقطة في غرب العالم العربي وليس أي عالم آخر.