أكدت المستعربة الإيطالية فرانشيسكا ماريا كوراو التي تعيش في مصر وتولت ترجمة عدد من الكتب بين العربية والإيطالية، أن نظرة الإجحاف في حق الثقافة العربية لا تزال موجودة في الغرب، مؤكدة أنها اكتشفت الكثير عن هذه الثقافة لدى وجودها في القاهرة. ورأت الباحثة، التي تعمل أستاذة اللغة العربية وآدابها في جامعة نابولي الشرقية، وتعتبر خبيرة بالشعر العربي، في حديث إلى «الحياة» أن الشعر يلعب في العالم العربي دوراً أهم منه في الغرب، لافتة إلى سيطرة رأس المال على وسائل الإعلام في إيطاليا. وهنا نص الحديث مع كورارو. - عشت في مصر منذ فترة طويلة وتعلمت على يد كبار اللغويين المصريين في الجامعة، كيف دخلت إلى حقل الثقافة العربية ولغتها؟ * بدأت أدرس اللغة العربية في الجامعة بإيطاليا لأني كنت أريد أن أكتشف الأدب العربي، فلم يكن هناك كتب مترجمة لهذا الأدب غير "ألف ليلة وليلة" وكنت أريد أن أعرف ماذا غير ألف ليلة وليلة، وأتيت إلى القاهرة فاكتشفت الكثير من خلال أستاذتي سهير القلماوي وحمدي سكوت، ومع أصدقائي أمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي وعفيفي مطر وأحمد فؤاد نجم. عرفت أكثر عن اللغة العربية وثقافتها وحضارتها. - في مقال لك منشور في مجلة "إبداع" المصرية، ذكرت أثر الثقافة العربية وقوتها في المنطقة ككل، كيف ترين ذلك؟ * أرى أن هناك أفكاراً مثيرة، وكلاماً مهماً بالنسبة للحضارة المعاصرة، ورؤية للوجود الإنساني وهو ما يجعلني أترجمه، فما حدث في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية مهم جداً لأنه غير خريطة البحر الأبيض المتوسط التي تشمل العرب والغرب معاً... الثورات العربية كانت نتيجة للتطور الثقافي وهذا التطور مر من خلال كثير من الأدوات منها الشعر المعاصر على سبيل المثال، والفكر والرؤية العميقة لدى الشاعر والعلاقة القوية لدى الشعر والشعراء، وهذا موجود في البلدان العربية أكثر منه في أوروبا. - الفيلسوف الإيطالي الشهير غرامشي تحدث عن المثقف العضوي، هل ترين أن العالم اليوم يحتاج إلى مثقف غرامشي؟ أم هناك رؤية جديدة مختلفة عن غرامشي يحتاجها العالم؟ * إنه يحتاج لرؤية غرامشي ورؤية أخرى جديدة، أنا أعتقد كما كان غرامشي يعتقد بأن المثقف له دور مهم، فهو يرى ما يحدث ويعبر عنه، ولا يمكن للمثقف أن يجلس بجانب القوة والسلطة وينسى أن يعبر عما يشعر به الشعب؛ يجب أن يكون المثقف هناك بين القوة وبين الشعب... عادة العبقري الذي يملك رؤية عميقة لديه صعوبة مع السلطة، فربما يهجرها ويرحل لذا على السلطة الحاكمة أن تعطي صوتا للمعارضة حتى لو كانت ضعيفة كي تقوي روح شعب؛ مثلا شعب مصر قوي لأن هناك أكثر من معارضة من خلال المثقفين. صوت المعارضة مهم لصحوة الشعب. - النخبة هنا والنخبة في إيطاليا هل هما فاعلتان في مجتمعهما أم بعيدتان عن تلك الرؤية من الأساس وتعيشان كل في برجها العاجي؟ * في إيطاليا قليل ما تقابل مثقفاً برؤية غرامشي بسبب حال نشر المعرفة، كيف توزع الكلمات من خلال الصحف والإذاعة وهي ملك سيلفيو برلسكوني (رجل أعمال إيطالي تولى رئاسة الحكومة الإيطالية ثلاث فترات، يمتلك وسائل إعلام عدة في بلاده كما يرأس نادي إي سي ميلان الرياضي)، أكبر بيت نشر وأكبر قناة تابعان له وصعب أن تتحرك في هذا الإطار وأن يكون هناك حرية وفاعلية. غير أنني لا أنكر أن هناك معارضة لكن ضعيفة جداً لا تستطيع أن تقدم جديداً. - أنت من الذين يحاولون النظر إلى ثقافة غيرهم، كيف ترين النظرة إلى أفكار الغير وهل هناك رؤية موضوعية لذلك؟ * نحن نأخذ الأيديولوجيا ونفهم منها ما نستطيع أن نفهمه ولا نأخذها بالطريقة ذاتها، يجب أن نتناولها بنوع من الترجمة كي نستطيع فهمها؛ الاشتراكية في ألمانيا تختلف عن غيرها في الصين، والرأسمالية في أميركا تختلف عنها في الهند... أنا آخذ الشيء ذاته في إطار حديثي عن تلك الرؤى الأيديولوجية التي يجب أخذها بشكل علمي. - هل هناك إجحاف في نظرة الغرب للثقافة العربية؟ * لا تزال هذه النظرة موجودة لدى البعض في أوروبا وأميركا، لا ننكر ذلك فهناك من يعتقد أن الأيدولوجيا الغربية والأميركية أفضل من الأيديولوجيا والأفكار الشرقية، وهناك مفكرون في إيطاليا يعتقدون بأن أفضل فترة للعرب هي العصور الوسطى، وهذا لأنهم بعيدون عن هذه الثقافة وعن ترجماتها، أنا وجيلي نبحث عنها لأننا عشنا في البلدان العربية، هناك من يعيش في دمشق وتونس ومصر، أنا أدرس الفلسفة العربية كما أدرس غيرها.