أعلنت قطر تفاصيل «تقرير التنمية البشرية الثاني» الذي تضمن تحذيرات مهمة في شأن تحديات تواجه عملية التنمية المستدامة في دول الخليج، في مقدمها الأمن المائي وضرورة خفض انبعاثات الكربون وزيادة كفاءة الطاقة، وتقليص الأخطار التي تهدد سلامة البيئة. ويأتي التقرير في سياق توجه استراتيجي للبلاد يهدف إلى تهيئة المناخ لتحقيق «رؤية قطر لعام 2030» التي أطلقها ولي العهد القطري، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتقوم على 4 اسس تشمل التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ومن أهم أهدافها تحقيق توازن بين احتياجات الجيل الحالي من القطريين والجيل المقبل. وشدد التقرير الذي رفع شعار «الارتقاء بالتنمية المستدامة» على ثلاث نقاط للضعف البيئي في قطر تكمن في قضايا الأمن المائي وتهديد البيئة البحرية والتغير المناخي، التي تفاقمها، في شكل كبير، النشاطات البشرية. وطالب بأن تعتمد استراتيجيات وبرامج التنمية المستدامة على تحليل شامل للقضايا والتحديات الرئيسية وأسبابها. واوضح الامين العام للأمانة العامة القطرية للتخطيط التنموي، ابراهيم ابراهيم، في حديث الى «الحياة»، أن هذا التقرير يمثل «خطوة في تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق حياة كريمة للجيل الحالي، لكن ليس على حساب الأجيال المقبلة، خصوصاً في بلد كقطر ودول نفطية أخرى تعتمد تنميتها على مصدر ناضب هو النفط». وأكد في هذا الاطار أن «التنمية الاقتصادية ستتأثر سلباً اذا لم يجر الاهتمام بالبيئة»، مشيراً الى «امكان ظهور امراض قد تكلفنا أكثر وعوامل مناخية قد تؤثر علينا». وجدد التقرير التأكيد على أن عائدات النفط والغاز في دول الخليج أدت الى ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي والى تنمية استثنائية، لكن لفت الى أن استغلال تلك الموارد والتمدد العمراني والاستهلاك المتزايد أدت الى تضاعف التحديات البيئية. واضاف ان دول مجلس التعاون تفتقر الى أراض صالحة للزراعة ومصادر للمياه لتطوير الغابات والمناطق الخضراء، ما يجعلها عرضة لتأثيرات التغير المناخي في شكل كبير.ولفت الى ان الطلب على المياه سيزداد في حال ارتفعت درجة الحرارة في الخليج وسترتفع ملوحة المياه الجوفية وتهدد الأمن المائي في المنطقة. وتعتبر قطر والامارات من بين الدول العشر في العالم الأكثر تأثراً بارتفاع منسوب مياه البحر، من ناحية النسبة المئوية من اليابسة والأرض السبخة (المستنقعات) في قطر، وعدد السكان والمناطق العمرانية المتأثرة. وجاء في التقرير أن الدول التي تشكل المصادر الرئيسة لانبعاث غازات الدفيئة هي السعودية والكويت والامارات، وأن قطر وعُمان والكويت وايران هي من الدول التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بسبب حرق الوقود. وعلى رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي تساهم ب 2.4 في المئة فقط من مجمل انبعاثات غاز الدفيئة عالمياً، فإن حصة الانبعاثات للفرد مرتفعة فيها. وافاد التقرير بأن قطر احتلت المركز ال60 في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في 2005، والاول بالنسبة لحصّة الفرد منها بسبب قلّة عدد سكانها، قبل الكويت والامارات والبحرين والولايات المتحدة وعُمان والسعودية وبروناي وسنغافورة. ونبّه الى أن «التغير المناخي يتسبب في زعزعة استقرار أنظمة في حال تعرّضت بالفعل الى قدر كبير من الارباك». وأوضح التقرير أن الانبعاثات الاجمالية من قطاعي النفط والغاز في قطر ارتفعت بنسبة 186 في المئة بين 2001 و2006، بسبب النمو الصناعي والسكاني المتواصل والزيادة في عمليات البناء. وارتفع عدد سكان قطر من 422 ألفاً في 1991 الى 617 الفاً في عام 2000. وبلغ عددهم 1.4 مليون نسمة في منتصف عام 2008، أي اكثر من الضعفين خلال 18 سنة فقط. وعزا التقرير هذا النمو السكاني «الذي يعتبر سابقة تاريخياً وعالمياً» الى هجرة العمال المهرة وشبه المهرة من جنوب آسيا وشمال افريقيا، بخاصة من الهند وباكستان وبنغلادش ونيبال والفيلبين واندونيسيا ومن دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ما يخلق ضغوطاً على الاراضي على الطاقة والمياه ومعالجة النفايات والصرف الصحّي وعلى البنية التحتية والخدمات. وأوصى بالمشاركة الواسعة والفعالة، وأعتبرها ضرورية لضمان الالتزام بالتنمية المستدامة، وحض على تنشيط مشاركة المجتمع في صوغ السياسات واتخاذ القرارات، لا سيما منظّمات المجتمع المدني التي «غالباً ما تكون أكثر ادراكاً من الوزارات والأجهزة الحكومية بالآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للقرارات العامة». ودعا الى تفعيل الشراكة بين القطاعين الخاص والعام للحصول على تمويل أكبر في اطار خطط التنمية المستدامة. ونبّه الى «ضرورة التعامل مع تحديات التنمية المستدامة» وحذّر من اهمالها، ورأى أن من شأن هذا الأمر أن يوقف أو يعكس التقدّم الهام الذي حققته قطر.