يا لها من مصادفة عجيبة، ففي اليوم الذي كان يجتمع فيه الوزراء العرب في القاهرة لبحث الازمة السورية، أطلّ معارض جديد للنظام عبر شبكة الانترنت بعد ان غائباً في جحره شهوراً طويلة. وأعلن زعيم تنظيم «القاعدة» ايمن الظواهري دعمه لما سماها «الانتفاضة» في سورية، داعياً «أسود الشام» الى الاعتماد على انفسهم عن طريق «الجهاد»، بدلاً من الاعتماد على الدول العربية او على تركيا والغرب. وربما كان الظواهري استفاق متأخراً على دعوته هذه لتنظيمه، فقد سبقه الى الاعلان عن نشاط التنظيم خبير في شؤون انتشار «القاعدة» هو وزير الدفاع اللبناني فايز غصن، الذي لم يشتهر في الماضي بمواهبه العسكرية او الدفاعية قبل ان يكلّف بتلك الحقيبة في الحكومة اللبنانية ممثلاً لزعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، المعروف بدفاعه الشديد عن النظام السوري، الى حد مفاخرته بربط مصير زعامته العائلية ببقاء «عائلة الاسد» كما يصفها، في الحكم في دمشق. فقد سبق ان صرح غصن ان بلدة عرسال، على الحدود اللبنانية السورية، باتت موقعاً لتدريب عناصر «القاعدة» الذين يتسللون منها للقيام بعمليات داخل سورية. وعندما ذهب الصحافيون الى عرسال، على أمل التعرف الى قندهار الجديدة هذه، التي اكتشفها الوزير النشيط، لم يجدوا سوى قرويين يبحثون عن لقمة عيشهم، ويأوون من يضطر الى اللجوء الى بلدتهم عبر الحدود، هرباً من قذائف نظامهم وبحثاً عن دواء او لقمة خبز. وهو ما دفع كبار المسؤولين في الحكومة اللبنانية وفي قيادة الجيش الى التنصل بالتي هي احسن من تصريحات وزير دفاعهم. هذا في لبنان. اما في العراق، فقد بادر مسؤول آخر في وزارة الداخلية هذه المرة، هو عدنان الاسدي، القيادي في حزب «الدعوة»، الى تأكيد عبور «جهاديين عراقيين» من العراق الى سورية، مضيفاً ان عمليات تهريب الاسلحة تتم عبر الحدود. وذلك قبل ان ينفي مسؤول آخر في الوزارة هو احمد الخفاجي هذا الخبر، مؤكداً ان القوات الأمنية العراقية منتشرة بكثافة على الحدود مع سورية ولم تتسلل أي جماعة إرهابية الى هناك. وما يلفت الانتباه في الموضوع، ان البلدين المكلفين بنشر اخبار الوصول المزعوم ل «القاعدة» الى سورية ونشاط هذا التنظيم فيها، هما البلدان اللذان تلعب حكومتاهما الدور الاكبر في الدفاع عن ارتكابات النظام السوري في المحافل العربية، وتتبنيان روايته حول مسؤولية «الجماعات الإرهابية المسلحة» عما يجري في المدن السورية. وهو ما يستدعي وضع علامات استفهام كبيرة حول مبررات هذه الحملة الاعلامية عن دور تنظيم «القاعدة» في دعم الانتفاضة السورية. وسبب الاستفهام امران: الاول ان كل التقارير الموثوقة تشير الى انحسار نشاط «القاعدة» وقدرته على الحركة، حتى في المواقع التي يعتبرها عادة مسرحاً لعملياته، ومن قبل اغتيال زعيمه اسامة بن لادن في ابوت اباد الباكستانية في ايار (مايو) الماضي. والثاني ان الهدف من هذه الحملة يصبّ مباشرة في خدمة الرواية السورية التي تقوم على ان تحرك المعارضة السورية هو من تدبير ايد خارجية، كما تشيع أن البديل اذا سقط النظام السوري الحالي هو الارهاب والمذابح التي ستفتك بالسوريين، وخاصة الاقليات بينهم، من علويين ومسيحيين. وهي رسالة موجهة الى الداخل والخارج معاً، ذلك ان فزّاعة «القاعدة» صالحة للاستعمال في اكثر من اتجاه. لقد سبقت النظام السوري الى اللجوء الى هذه الفزّاعة انظمة تونس ومصر واليمن وليبيا، ولم تفلح لا في منع الدول الغربية من حماية الثورات ولا في اخافة الشعوب الثائرة. ومن السذاجة ان يراهن النظام السوري على ان الحملة الحالية عن وصول «القاعدة» الى «شام الرباط والجهاد»، على حد وصف البيان المنسوب الى الظواهري، سوف تلقي الرعب في قلوب ابناء الشعب السوري. كل ما تفعله بيانات كهذه انها تذكّر بشريط «ابو عدس» الشهير الذي تم تعليقه على غصن شجرة في وسط بيروت، قبل سبع سنوات، ولم ينجح الا في توجيه اصبع الاتهام الى جهة واحدة.