ليس صدفة أن يقع خبر وفاة أيقونة البوب ويتني هيوستن صباح أمس في بيفرلي هيلز، كالصاعقة على جمهورها الواسع، من أميركا الى أوروبا وأستراليا وآسيا، كما وقع خبر وفاة مايكل جاكسون في حزيران (يونيو) 2009. وليس صدفة أن ترحل صاحبة الصوت البلوري القوي المطواع وهي في ال 48 من عمرها، أي بفارق سنتين عن العمر الذي توفي به جاكسون. وليس صدفة أيضاً أن تفارق هذه المرأة، التي وهبت صوتها للحب والعشق والهيام، بالطريقة نفسها تقريباً التي رحل بها ابن الكار جاكسون، فقد عُثر عليها ميتة في فندق «بيفرلي هيلتون»، مستسلمة لأحزانها وشقائها الأبدي، بعد تناول جرعة زائدة من المهدئات. وليس صدفة أن تتجاوز تلك الممثلة السوداء الجميلة الممشوقة القدّ، كل الحدود الدولية والعرقية والعنصرية، لتتربع على عرش موسيقى البوب والسول كما تربّع مواطنها جاكسون، فهي الى جانب ملك البوب، شكّلت قدوة يُحتذى بها لدى أصحاب البشرة السوداء، الذين مازالوا يعانون العنصرية في شتى بقاع الأرض، وما يجمع بين مصير هيوستن وجاكسون في حياتهما، وربما بعد مماتهما، من موهبة ونجاحات واكتساب شهرة في أولى سنوات المراهقة، يتعدى كونهما من أصول أفريقية الى كونهما عانيا تقريباً فصولاً من العذابات كانت نهايتها المخدرات والإدمان والموت. وربما يكمن البحث عن الحب والاستقرار والحرية وراء تلك العذابات السرية، وقد قالت هيوستن في إحدى أغنياتها الأخيرة «يمكنني أن أقاوم، إلا أن حياتي لا تقتصر على ذلك». وكأنها تصرّح بآلام تنهش جسدها ونفسيتها ولاوعيها لا تعرف سببها، وإلا كانت عرفت كيف تتخلص منها. وربما لجأت الى المخدرات كحلّ لنسيان ألمها كله، غير المعرّف وغير المنظور، والذي لا تمكن السيطرة عليه. الفنانان المشهوران لم يتمتّعا بطفولتهما كما يتمتع أي طفل على وجه الأرض. لم يركبا الدراجة في حديقة الحيّ، لم يلعبا في الشارع ويتقاذفا الكرة. لم يذهبا الى السوق مع أمهما لشراء حاجيات البيت. فجأة... تحوّلت حياتهما من طفلين عاديين متحدرين من بيت فقير يعاني العنصرية، الى مشهورين كبيرين يرنّ اسمهما في كل بقاع الأرض. الانتقال من الطفولة البريئة إلى الشهرة قفزا إذاً من مرحلة الطفولة الى النضوج والغناء الفاحش بسرعة هائلة، وهذه السرعة حرقت كل مراحل حياتهما بعود كبريت الشهرة والأضواء. لم تتركهما عدسات الكاميرات، فباتت حياتهما الخاصة والعامة محاصرة، كأنهما في برنامج 24 ساعة على 24 من برامج تلفزيون الواقع. لم يتركهما المجتمع والمعجبون في حالهما، لاحَقوهما حتى في حياتهما الخاصة، من طلاق وزواج وحب وعلاقات خيانة وغيرها، فباتا يعيشان في بيت متنقل، مكشوف، بارد، بلا سقف ولا تدفئة... وربما من هنا جاء الحنين في صوتهما والشجن، فهيوستن التي كانت ملهِمة مغنيات كثيرات، مثل بيونسه وماريا كاري وسيلين ديون وإليشيا كير، وغيرهن من المشارِكات في المسابقات التلفزيونية، من أعظم المؤديات لموسيقى السول والبوب على المسرح، فصوتها ذي الإمكانات العظيمة، ونفسها الطويل وأداؤها الجريء الواثق والعفوي، وانفعالاتها الصادقة على الخشبة، وإحساسها بكل نوتة موسيقية وكل حرف تنطقه، جعلا منها ديفا بكل ما للكلمة من معنى. أيقونة الحب تشكّل أغنيات هيوستن، التي باعت أكثر من 170 مليون ألبوم في غضون 25 سنة، أيقونات للحب لدى أجيال متفاوتة الأعمار، منذ إصدارها الأسطوانة الأولى في العام 1985 بعنوان «ويتني هيوستن»، ثم إتباعها بأسطوانة ثانية العام 1987 بعنوان «ويتني». لكن أيقونة الحب الجميلة صاحبة الصوت المطواع، أبرمت اتفاقاً أبدياً مع العشق عندما غنّت رائعتها «آي ول أولوايز لاف يو» (سأحبك دائماً)، التي تُظهر فيها المغنية صوتاً مرناً للغاية، قوياً ومتفجراً وذي نفس طويل. ثم كرّت السبحة مع «آي آم يور بايبي تونايت» (أنا خليلتك الليلة)، و «ماي لاف إز يور لوف» (حبي هو حبّك)، وأخيراً «لا شيء إلا الحب». كانت ويتني هيوستن التي ولدت في 9 آب (اغسطس) 1963 في نيوارك (نيو جيرسي)، أول فنانة تطلق سبعة أغان منفردة متتالية تحتل صدارة تصنيف المبيعات على ما تفيد وسائل الإعلام المتخصصة. تلك المراهقة التي تربت في اوساط الغوسبل والسول والآر أند بي، هي قريبة المغنية الاميركية الشهيرة دايون وورويك وأمها مغنية الكورس المعروفة سيسي هيوستن. وقد سارت على خطاها في سن المراهقة عندما رافقت فنانين مثل شاكا خان ولو رولز. وبعد خوضها لفترة قصيرة مجال عرض الأزياء، ومشاركتها في أعمال تلفزيونية، انتقلت الى مجال الغناء حيث حققت نجاحاً لافتاً. ووقعت العام 1983، وكانت في عامها العشرين، أولَ عقد مع دار أريستا للاسطوانات. وانتقلت الى السينما لتشارك في بطولة فيلم «ذا باديغارد» (1992) الى جانب كيفين كوستنر، لتحتلّ موسيقى الفيلم أكثر موسيقى الأفلام مبيعاً في العالم بسبب أغنية «سأحبك دائماً». في التسعينات لم تعد المغنية تحتلّ مقدم الساحة الفنية والاعلامية، وقد مضت 8 سنوات بين صدور ألبومها «آي آم يور بايبي تونايت» (1990) والالبوم التالي «ماي لاف إز يور لوف» (1998). ومنذ العام 2000 راحت أخبارها تحتل صفحات الصحف الشعبية مع وقوعها في فخ الكوكايين والماريجوانا، وقد تابعت علاجات للإقلاع عن إدمانها وقالت انها «ألدّ عدوة لنفسها». المخدرات أنهت حياتها تزوجت هيوستن المغني بوبي براون، الذي لوحق قضائياً في قضايا عنف وتعاطي كحول في اثناء القيادة ومخدرات، وطُلّقا في العام 2006. ثم تراكمت الديون عليها، فاضطرت العام 2007 الى بيع مقتنيات شخصية من فستانين وآلات موسيقية بأمر من القضاء. وبعد سنوات من الأفول الفني على حساب مغنيات أخريات، مثل ماريا كاري وبيونسي، عادت هيوستن في ايلول (سبتمبر) 2009 بألبوم جديد عنوانه «آي لوك تو يو» (أنظر إليك)، لقيَ صدى طيباً لدى النقاد، رغم انه فضح تراجع قدراتها الصوتية. وفي العام 2010، اضطرت الفنانة التي نالت 26 جائزة من مؤسسة «أميركان ميوزك أوورد»، الى إلغاء جزء من جولتها الاوروبية وأدخلت المستشفى في باريس لإصابتها بالتهاب رئوي حادّ، وكانت لا تزال تواجه مشاكل إدمان، مما اضطرها الى اتباع علاج للإقلاع عن ذلك الربيع الماضي. غنّت هيوستن للحب ونالت 6 جوائز غرامي على أغنيات تغنّت به، وتوفيت عشية عيده في 14 شباط (فبراير)، لكنه على ما يبدو كان بعيداً عنها ولم يُنصفها كما أنصفته. وربما يكون الفيلم الأخير الذي تؤدي فيه دور البطولة ويعرض في الصالات الأميركية في آب (أغسطس) 2012، بعنوان «البريق»، دليل صادق عن حياتها الحزينة التي لوّثتها المخدرات وأنهكتها الشهرة. - المغنية الأبرز في تاريخ البوب