رسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بقراراته ورؤيته لوحة سياسية شفافة تتجاوز في تأثيرها مستقبل منطقة الخليج إلى جغرافية أوسع وأشمل تطاول الشرق الأوسط والعالم. اللوحة التي وضع أسسها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بدأت تتضح ملامحها جلية بعد دعوته قادة دول الخليج في قمة مجلس التعاون ال32 التي عقدت في الرياض إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. وهي الدعوة التي التقطها قادة دول مجلس التعاون، وأكدوا على ضرورتها وأهميتها، خصوصاً في المرحلة التي تمر بها المنطقة الآن، التي وصفها رئيس وزراء الكويت الشيخ جابر المبارك الصباح، في تصريح خاص ل«الحياة» نشر في 3 شباط (فبراير) الجاري بقوله، إن «مبادرة خادم الحرمين الشريفين في شأن انتقال دول الخليج من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد جاءت استشعاراً من خادم الحرمين الشريفين لحجم الأخطار التي تحيط بدول مجلس التعاون»، وأكد فيها أن بلاده «لن تخالف ما ستتوصل إليه اللجنة الخليجية المشتركة التي ستشكل لهذا الغرض». هذه الرؤية المستقبلية للملك عبدالله بن عبدالعزيز ارتكزت على محور مهم يتمثل في حرصه على سلامة وأمن المواطن في المملكة والخليج. هذا الحرص يضاف إليه حزمه في إبراز صوت المملكة المعتدل، استشعره قادة العالم. ما جعل الرياض قبلتهم ومحط رحالهم، للاستماع إلى كثير من آرائه ورؤيته حول كثير من الأحداث على الساحة الدولية. إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بات صورة دولية مرادفة للتسامح والاعتدال والوسطية ونشر ثقافة السلام، والابتعاد عن الصدام، والالتزام بالحوار كمبدأ، وجميعها دعوات مشبعة بنبذ الصراع، وقبول الآخر، وترك التعصب. وكلمته التي ألقاها أخيراً أمام مجلس الشورى في افتتاح دورته الحالية أكدت ذلك، إذ يقول إن «دعوتنا للحوار بين الحضارات والثقافات وأتباع الديانات هي دعوة متأصلة من إيماننا بأن الحوار هو السبيل الأمثل لحل القضايا الدولية المختلف حولها بالطرق السلمية. وإنني على يقين بأن الحوار بين الحضارات وأتباع الديانات هو السبيل الأمثل لتفويت الفرصة على العديد من الدعوات المتطرفة التي تخرج من مجموعات منتشرة في العديد من دول العالم باسم الدين تارة، وباسم العرق تارة أخرى، هدفها الرئيس هو تسميم العلاقات بين الشعوب والحكومات، وتقويض المشاركة الإنسانية في الحفاظ على الحضارات والتواصل بين أتباعها، وتحويلها إلى صدامات وحروب أنهكت العالم لقرون عدة». «في الوقت الذي نؤمن فيه بأن ما يجمع الغالبية العظمى من شعوب العالم هو أكثر مما يختلفون عليه». ومن قبلها كلمته التي ألقاها في المؤتمر العالمي للحوار، الذي عقد في العاصمة الإسبانية مدريد خلال شهر تموز (يوليو) 2008، لتتوج جهود الملك عبدالله بن عبدالعزيز في التأسيس لحوار عالمي بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات، عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة في الفترة من 12 إلى 13 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام ذاته. بعد أن أوصى المؤتمر العالمي للحوار في إعلان مدريد بدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تأييد النتائج التي توصل إليها هذا المؤتمر والاستفادة منها في دفع الحوار بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات العالمية. ورعى الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 16 تموز (يوليو) 2008، بحضور العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس حفلة افتتاح أعمال المؤتمر العالمي للحوار، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي على مدى ثلاثة أيام، واستضافته مملكة إسبانيا في العاصمة مدريد. وقال خادم الحرمين الشريفين في كلمته خلال الافتتاح: «جئتكم من مهوى قلوب المسلمين، من بلاد الحرمين الشريفين حاملاً معي رسالة من الأمة الإسلامية، ممثلة في علمائها ومفكريها الذين اجتمعوا مؤخراً في رحاب بيت الله الحرام. رسالة تعلن أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح، رسالة تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان، رسالة تبشر الإنسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع».وأضاف: «إننا جميعاً نؤمن برب واحد بعث الرسل لخير البشرية في الدنيا والآخرة، واقتضت حكمته سبحانه أن يختلف الناس في أديانهم، ولو شاء لجمع البشر على دين واحد. ونحن نجتمع اليوم لنؤكد أن الأديان التي أرادها الله لإسعاد البشر يجب أن تكون وسيلة وسبباً لسعادتهم. لذلك علينا أن نعلن للعالم أن الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى النزاع والصراع. ونقول إن المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان، ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع كل دين سماوي، وكل عقيدة سياسية».