تفقد الكرة الأرضية في كل دقيقة جزءاً من أراضيها المُنتِجة يعادل، بحسب وثيقة أممية، حجم ملعب كرة قدم. هذا الوضع، بتعبير لغة الملاعب، هو «تمرير» خاطئ إلى مربع التدهور، لأنه يجعل من عنصر إيجابي (أراض مُنتِجة) هدفاً سهلاً لهجوم الجفاف والتصحر. تؤدى هذه اللعبة الخاطئة أمام جمهور متكاثر لا يعرف أنه في نهاية الأمر لن يجد بانتظاره أمناً غذائياً يحميه، حين يصل تعداده 8 بلايين نسمة في 2025، و9 بلايين في 2050. تعود هذه اللامبالاة إلى أن التداعيات المباشرة لتدهور الأراضي، تطاول بليوني نسمة يعيشون في مناطق قاحلة وجافة وشبه جافة. ويغيب عن كثيرين أن التداعيات غير المباشرة اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، تمس كل البشر، بسبب ما يمثّله تدهور الأراضي من ضغط على موارد الطبيعة، ومصادر الغذاء، إضافة الى كونه عنصراً في تأجيج صراعات على الأراضي، وهجرات البيئة وغيرها. استمراراً في لغة اللعب، هناك خطة الهجوم المضاد، أي استعادة الأراضي المتدهورة وإحياء التربة. ولكن، إذا بقي الوضع على ما هو عليه، فالخسارة فادحة ومؤكدة. وفي أغلب المناطق، لاسيما الأقل تنمية والأكثر فقراً، يميل المسؤولون الى الاعتقاد بأن إعادة إحياء الأراضي عملية عبثية، مُعتبرين أن المناطق الجافة لا قيمة لها، بل أنها عبء اقتصادي على أصحابها، كما على المستثمرين. وفي حالات أخرى، لا تسير سياسة استعادة الأراضي المتدهورة بإيقاع مساوٍ لسرعة هجوم التدهور. بعض الممارسات المؤدية إلى تدهور الأراضي تستدعي زجراً، وبعضها يستدعي جَزَراً! وهذا تعبير استعاره لوك كناكدجا، الأمين العام ل «الاتفاقية الأممية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف»، عند إطلاق «جائزة الأرض من أجل الحياة». تحالف الأراضي الجافة أعلن كناكدجا الجائزة في كوريا الجنوبية أخيراً، مُشبّهاً إياها بالجزرة التي تحفز السلوك الإيجابي، لأن استدامة الأراضي بحاجة لسياسة تشجيع الممارسات الجيّدة، وعدم الاقتصار على سياسة العقاب وحدها. وتموّل دولة قطر «جائزة الأرض من أجل الحياة» عبر «برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي»، إلى جانب خمسة شركاء آخرين، هم: جمهورية كوريا الجنوبية، ووزارة التعاون والتنمية الاقتصادية الألمانية، و«مرفق البيئة العالمي»، و«الاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة» و «مجموعة إيليون ريسورسز» الصينية المتخصّصة في الاقتصاد الأخضر. دعم قطر لهذه الجائزة هو جزء من جهودها الداخلية والدولية لتعزيز الأمن الغذائي عبر رفع إنتاجية الأرضي الجافة. وينسجم مع دعوتها في الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة (2010) لإنشاء «التحالف العالمي للأراضي الجافة» The Global Dry Land Alliance. ويضمّ التحالف دول الأراضي الجافة، إضافة الى بلدان ومؤسسات متعددة الأطراف، تتولى توفير الدعم التقني والعلمي للبلدان الأكثر تضرراً من التصحر والجفاف. وشكّل مؤتمر «اتفاقية مكافحة التصحر» الذي استضافته مدينة شانغوان (كوريا الجنوبية) أخيراً، فرصة لتجديد الدعوة القطرية للدول الأعضاء في الاتفاقية الأممية. إذ ذكر فهد بن محمد العطية، رئيس «البرنامج الوطني للأمن الغذائي»، أن التحالف يشكّل قاعدة للعمل المشترك بين بلدان الأراضي الجافة، لمجابهة التحديات التي تواجه الأمن الغذائي. وبيّن العطية أن التحالف يهتم بآليات الاستجابة لتحدّيات التصحر، عبر بحوث علمية وتقنيات متطوّرة. في هذا السياق، من المتوقع أن تتطرق «القمة العشرون للأرض» إلى مبادرة «التحالف العالمي للأراضي الجافة»، ومقره المرجح الدوحة. وتنعقد القمة في مدينة ريو دي جينيرو في البرازيل التي استضافت «قمة الأرض» للمرة الأولى قبل عشرين سنة. ولذا، تحمل هذه القمة اسم «ريو+ 20» RIO+20. وأعلنت 30 دولة نيتها الانضمام إلى التحالف، بحسب تصريح لمحمود الصلح، المدير العام ل «المركز الدولي لبحوث الزراعة في المناطق الجافة» («إيكاردا»)، نُشِر على الموقع الإلكتروني ل«شبكة العلوم والتنمية». مكافأة الاستثمار أشار الصلح إلى أن التحالف يعتمد معهد «إيكاردا» ذراعاً بحثية له، فيما يمثّل «برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي» ذراعه في التنمية. وفي التفاصيل أن «جائزة الأرض من أجل الحياة» (موقعها الإلكتروني هو unccd.int) تتكون من ثلاث فئات تبلغ مجموع مكافآتها 100 ألف دولار. تمنح الجائزة سنوياً في «اليوم العالمي لمكافحة التصحر» في 17 حزيران (يونيو). وتشمل الجائزة عينها مكافآت غير مادية تعطى لمن ليسوا في حاجة إلى تحفيز مالي في مواصلة جهودهم، مثل رجال الأعمال والقطاع الخاص. وتدعم الجائزة من ساهموا في مشروعات لإحياء الأراضي المهدّدة بالتدهور وتحسين عيش سكانها. وبالنظر إلى أهمية إدارة الأراضي الجافة، تنشد الجائزة رفع مستوى الوعي بالمنافع المترتبة على استعادة هذه الأراضي، ووقايتها من التدهور وزحف التصحر وتهديد الجفاف. كما تكافئ الجهود التي تعزّز المساواة بين المرأة والرجل، والتنوع الثقافي والاندماج الاجتماعي في الأراضي الجافة. ويمكن التقدّم إلى «جائزة الأرض من أجل الحياة» حتى نهاية شباط (فبراير) الجاري، وهي مفتوحة أمام الأفراد والمجموعات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الأكاديمية والبحثية وصانعي السياسات والصحافيين ووسائل الإعلام وغيرها. وتُكافئ المبادرات التي تستطيع التأثير في الإدارة المستدامة للأراضي، والمساهمة في تعزيز التعاون بين صُنّاع السياسات والعلماء والمجتمعات التي تعيش في الأراضي الجافة.