كنتُ في غرفتي، بنافذتها الوحيدة، وموتاي المعلقين فوق الجدار وهم يحدقون، كما في كل ليلةٍ، في الحقائبِ المعدّةِ للسفر. قلت: أنامُ قليلا، أنا وصاحبي كلبي، فطريقي طويلٌ، وقد يطولُ.. دقةٌ على البابِ.. وانفتح الجدارُ.. حمامٌ على الجامعِ الأمويِّ، حمامٌ على قبرِ زينبْ، وحمزةُ يلعبُ بين الحمامْ، على الجامعِ الأمويّ، على قبرِ زينبَ يلعبُ.. يسرقُ أغنيةً من حنجرةٍ مقطوعةٍ ما تزال تغني... ويضيعُ بين سربِ الحمام. مطرٌ، غياث، إبراهيمُ، مشعلْ .................. يالهذه الأمة التي لا تجيد العدَّ! (1) فرسٌ... أتراكٌ، أمويونَ وبعثيون. مطرٌ على قبرِ زينبَ... أين رأيتُ هذا المطرَ من قبلُ؟ غساسنةٌ... بعثيون، ومناذرةٌ... بعثيون. يا لَهذي الأمةُ التي لا تجيدُ العدَّ! .................... كنتُ أنامُ في غرفتي، وصاحبي كلبي، وحيدين كنا، فمن قد أتى بطوقِِ الحمامةِ لي؟ ومن فتح النافذة لأراه في الطريقِ إلى دمشق؟ - ماذا تريدُ يا شيخي؟ - أين الحبُّ؟ - وماذا تريدُ يا شيخي؟ - أين الطريقُ؟ أنت الطريقْ. وماذا تريد يا شيخي؟ - أين الطريقُ إلى معرّةِ النعمان لأمسحَ خدها التربا واستوحي من طوّق الدنيا بما وهبا (2) اشتقت لأبي العلاء. - لا طريقَ هناك أغلقوا القبرَ بالقبرِ - إذن لأعودَ لبيتي بشيخ محيي الدين - لا بيتَ هناك أغلقوا البيتَ بالقبرِ ألست ترى أيها الشيخ؟ - كنت أرى والآن لا شيء ثمّ غمام ورماد ما عدت أعرف شيّا، قبرُ عيّاش، قبرُ إليا، قبرُ أحمدَ، قبر دمشق. - تعالَ معي لتنامَ قليلا بين موتاي فوق الجدار. ثم نرحلُ عند الصباح - الحقائبُ جاهزةٌ - لغرناطةَ أو ما تشاءُ حيث ستنام طويلا - أين الطريقُ إلى معرة النعمان؟ مطرٌ يهمي غياث... غياث ونحن هنا لنخرجَ حيث الشوارع قد نراه يغني قد نراه هناك وراء الشوارعِ حيث الحمام يذهّبُ أطواقَه بالغبار تعالَ لنمضي قد تكون «الفتوحاتُ» (3) حيث القمامةُ تفتحُ سيقانها مثل امرأةٍ داعرة. (4) .................. - لا تغلق النافذة دعني أر ما لم أرَ - لكني رأيتُ. أمويون وبعثيون تيمورلنك مر هنا، وابن خلدون ومفتاحه، ومر الحريرُ هنا والحروفُ، وأحمدَ كان هنا، وحورُ العين، قبل أحمدََ، قبلَ الطريقِ إلى الله، كن هنا. - ما زلتَ لعيناً يا شيخي لنعبرَ هذا المكان. .................. كنتُ في غرفتي وصاحبي كلبي، وكان الحمامُ ينقر حبّاتهِ على النافذة، والضوء يساقطُ حيث القمامةُ، حيث الفتوحات، حيث يغور دمٌ ثمّ يفورُ، فتطلعُ أقدامنا. هنا الوردةُ فلنرقص هنا،(5) هنا الساحة الأموية، فلنرقص هنا. هنا حطت الأغنية... ومضت. وسنمضي... - إلى أين يا شيخي؟ - فلنرقص الآنَ... قبل السؤالْ. 1- جاك بريفير 2- بتصرف من قصيدة «أبو العلاء المعري» لمحمد مهدي الجواهري: قف بالمعرةِ وامسحْ خدها التربا واستوح من طوّق الدنيا بما وهبا 3- إشارة إلى «الفتوحات المكية» لابن عربي 4- بودلير. 5- لغوته من «فاوست»