على الذين ينتقدون، وعن حق، ازدراء الولاياتالمتحدة شبه الدائم للإجماع الدولي في مجلس الأمن، واستخدامها حق الفيتو لحماية إسرائيل من الإدانة بسبب ارتكاباتها بحق الفلسطينيين، أن يتمعنوا جيداً الآن فيما تفعله كل من روسيا والصين باستخدامهما الفيتو لتعطيل قرار دولي، لم يكن منتظراً منه بالضرورة أن يضع حداً لمأساة السوريين، لكنه على الأقل كان سيوجه رسالة إلى النظام السوري بأن ما يفعله بحق شعبه لا ينتمي إلى الأسلوب الذي يتعامل به الحكام مع شعوبهم في هذا العصر. والذين يدينون، وعن حق أيضاً، ارتكاب الجيش الإسرائيلي المجازر بحق الفلسطينيين بأسلحة أميركية، عليهم أن يتمعنوا أيضاً في ما يعنيه استخدام قوات الأمن السورية المدافع والدبابات الروسية في دكّ المدن والقرى السورية فوق رؤوس ساكنيها. غير أن إسرائيل تقتل شعباً تناصبه العداء وتعتبر أن حصوله على حقوقه المشروعة يهدد ما تزعمه من حق لها في الأرض التي تحتلها. أما الجيش السوري، أو من يأتمرون منه بأوامر النظام، فهم يقاتلون ويقتلون شعبهم، لأنه تجرأ على المطالبة بحقه في الكرامة والحرية وفي تقرير مصيره. سيسمع سيرغي لافروف في دمشق التي يصل إليها اليوم، إشادة وتصفيقاً من الحكومة السورية له ولحكومته، لأن موسكو وقفت في وجه الإجماع الدولي لتحمي دمشق من الإدانة. لكن هذا يجب ألا يمنع وزير الخارجية الروسي من الشعور بالخجل، لأنه، منذ ذلك الفيتو، أحلّت آلة القتل السورية لنفسها أن تقضي على عشرات المدنيين، في حمص وغيرها، تحت غطاء تلك الحماية. كما لا يجب أن تمنعه الإشادة السورية من الانتباه إلى حجم الغضب العربي من وقوف بلده ضد قرار يتمتع بشبه إجماع عربي، والذي لا يوازيه سوى الغضب الذي تشعر به الشعوب العربية حيال الانحياز الأميركي الفاضح للجرائم الإسرائيلية. فالنظام السوري يشعر الآن بأنه في مأمن من المصير الذي واجه العقيد الليبي، ويفاخر المسؤولون فيه بأن التدخل العسكري بعيد الاحتمال عندهم. لذلك، هم مستمرون في «الحلّ الأمني» الذي لم يعد «مطلباً شعبياً» فقط، كما زعم وزير خارجية سورية، بل هو الآن يتمتع برضا كل من موسكو وبكين، اللتين تساويان ما يرتكبه النظام السوري بأدواته العسكرية الفائقة، بما يقوم به عناصر منشقون عن الجيش للدفاع عن شعبهم، مستخدمين لذلك، أسلحتهم الخفيفة التي استطاعوا أن يهرّبوها معهم عند فرارهم. غير أن موسكو، إذ تدافع عن النظام السوري، فإنها تدافع عن صنوٍ لها، يتكلم لغتها، التي باتت لغة بائدة. إنها لغة الاستخفاف بالشعوب، واعتبار أن الحاكم على حق دائماً، وما على الشعب سوى الطاعة أو... مواجهة القمع. إنها اللغة التي أطاحت الاتحاد السوفياتي، الذي حكم قادته على مدى أكثر من سبعين عاماً بتخويف المعارضين وإرسالهم إلى «الغولاغات»، على ما أخبرنا ألكسندر سولجنتسين في رائعته «أرخبيل الغولاغ». لكن الاتحاد السوفياتي قضى بالسلاح الذي قمع به شعبه، فكانت الأصوات المطالبة بالحرية (الغلازنوست) أقوى من أدوات القمع. ومن الصعب أن يتخيل المرء أن يستطيع فلاديمير بوتين استعادة «أمجاد» أسلافه الذين حكموا في الكرملين، بمجرد دعم أنظمة تشبهه وعفا عليها الزمن. لقد كان لافتاً أن الحكومة الروسية أعطت الأوامر لمندوبها في مجلس الأمن بالتصويت بذلك الفيتو المعيب، في اليوم الذي كان عشرات الآلاف من الروس يتظاهرون في شوارع موسكو، على رغم البرد القارس، رافعين شعار «روسيا من دون بوتين»، في إشارة إلى حجم المعارضة التي تواجه حملة رئيس الحكومة الروسي لاستعادة الرئاسة. وبماذا ردّ خريج ال «كي جي بي» على معارضيه؟ لقد وصف الأشرطة البيضاء التي كانوا يزنّرون رؤوسهم بها بأنها تشبه الواقي الذكري، في إشارة إلى مدى استخفافه بأبناء شعبه، الذين لم يجد تهمة يلصقها بهم سوى كونهم أدوات في يد الاستخبارات الأميركية! ألا يذكركم هذا بشيء من «أدبيات» وكالة «سانا» في اتهاماتها المعارضين السوريين؟ وبمعزوفة «الجماعات الإرهابية المسلحة»؟