كثرة الأخبار عن بلد ما تُظهر شيئاً واحداً هو أن البلد المعني يواجه أزمة حادة أو مشكلة كبيرة. أتلقى الأخبار كل صباح من الميديا التقليدية والجديدة، وبعض مراكز البحث، خصوصاً في الولاياتالمتحدة، وفي حين أن مصادري لم تتغير، فقد لاحظت في الأشهر الأخيرة زيادة هائلة في الأخبار عن سورية (وإيران)، ما يعني سوء الأوضاع، أو خطرها، فالأخبار لا تأتي إذا كان البلد ينعم بسلام أهلي مقرون برخاء اقتصادي، وإنما تأتي مع قتل أو عنف وانهيار اقتصادي. الثورة على النظام في سورية دخلت شهرها الحادي عشر، ولا أراها ستنتهي سريعاً حتى وأميركا وأوروبا وتركيا وجامعة الدول العربية تريد من الرئيس بشار الأسد التنحي. أو هي ستستمر لأن هذه الدول تطالبه بالتنحي. أعتقد أن الرئيس أخذ قراراً بالمضي في المواجهة مع معارضيه حتى النهاية، ولم يتخلَّ عنه أحد من كبار المسؤولين كما حدث مع معمر القذافي، والمعارضة لا تريد التفاوض مع الرئيس ونظامه. وسورية لم يبق لها من حلفاء سوى إيرانوروسيا، وربما العراق والصين، وهي تتلقى السلاح، كما تتلقاه المعارضة، إلا أن كلاً من طرفي المواجهة لا يملك ما يكفي من سلاح ومال ودعم خارجي لقلب الطرف الآخر. مشروع الجامعة العربية يقضي بتسليم الرئيس السلطة لنائبه، وبتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولا أدري لماذا افترضت الجامعة أن بشار الأسد سيقبل هذا «الحل»، ولماذا افترضت أيضاً أن مجلس الأمن يستطيع المساعدة، مع علمها أن روسيا والصين استخدمتا الفيتو في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لمنع صدور قرار ضد النظام السوري أخف كثيراً من الاقتراحات الأخيرة. والآن نسمع أن اعتزال الرئيس حُذف من مشروع القرار حتى لا تستخدم روسيا الفيتو ضده، ومع ذلك لم تفلح محاولات استرضاء روسيا، فاستخدمت، هي والصين، الفيتو لمنع إقرار مشروع القرار المعدل المخفف. مرة أخرى، الرئيس السوري لن يترك الحكم طوعاً، ولا سبب منطقياً لتوقع تدخل عسكري أجنبي، على غرار ما حدث في ليبيا لإسقاط النظام، كما يريد باراك أوباما. الرئيس الأميركي قال في خطابه عن «حالة الاتحاد» الشهر الماضي أن معمر القذافي رحل، وأكمل بسرعة «وفي سورية، لا شك عندي في أن نظام الأسد سيكتشف سريعاً أن قوى التغيير لا يمكن عكسها، وأن الكرامة البشرية لا يمكن حجبها». إسقاط النظام يحتاج إلى أكثر من رغبة الرئيس الأميركي أو وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه أن يراه يسقط، وأعرف أن النظام يفضل أن يسمع أن إرهابيين ومتطرفين أصوليين وراء القتل في سورية كل يوم، وأن المعارضة تريد أن تسمع أن النظام سيسقط غداً، غير أن الحقيقة في مكان آخر، فالنظام ماضٍ في ممارسة الحل الأمني، بل تصعيده، وزيادة القتل كما نرى في حمص المنكوبة، رغم فشله الأكيد، والمعارضة منقسمة على ذاتها في قضايا مهمة مثل التدخل الخارجي. وفي حين يدّعي الجيش السوري الحر أن في صفوفه 15 ألف منشق، فالأرجح أن الرقم الحقيقي في حدود سبعة آلاف، وأن كثيرين من هؤلاء يعملون في شكل مستقل عن الآخرين، ولا قيادة مركزية للجميع. شخصياً، لا أرى حلاً سريعاً للكارثة السورية المستمرة، وبما أنني مع السوريين ولست مع النظام أو المعارضة، فإن طلبي الوحيد في غياب الحل هو وقف قتل الناس، وقد كان هذا طلبي في أول تعليق لي على الأحداث في مطلع نيسان (أبريل) الماضي، وفي كل تعليق لاحق على الموضوع وحتى اليوم. ثم أزيد أن لا ثقة لي بمشاريع الإصلاح والانتخابات وغيرها التي طلعت بها الحكومة، وثقتي أقل بنوايا أميركا وروسيا، فالرئيس الأميركي يقول ما يفترض فيه أن يقوله ضد النظام مع استمرار القتل، وروسيا قد تغير من موقفها المدافع عن النظام إذا قبضت الثمن من الولاياتالمتحدة في واحدة من القضايا الخلافية بين البلدين. في غضون ذلك أجد أن الأخبار عن سورية (وإيران) تزيد يوماً بعد يوم لتعكس زيادة حدة الأزمة وارتفاع معدلات العنف، فلا أطلب سوى الرحمة للشعب السوري من أعدائه ومن الذين يدّعون صداقته. [email protected]