في طفولتنا، لم تكن ساحة المنزل قادرة على استيعاب ألعابنا المُكوّنة من جنود مبعثرة ودمى بلاستيك وألواح كرتون كانت تخرجنا من الواقع إلى عوالم الخيال. كنا نتسمر أرضاً. نمضي ساعات في تحريك أحجار، نتنافس، نتشاجر، تتعالى أصواتنا. يهتف الرابح فرحاً. وينقضّ الخاسر على لوح اللعب ملقياً به إلى الأرض. تنقلب الطاولة على الجميع. وتنتهي اللعبة. لهو الطفولة الإلكترونية تبدّلت هذه الحال. وحاضراً، أصبحت «مملكة الأطفال» بعيدة من ألعاب مثل ال «داما» و»مونوبولي» و»سباق السيارات» وغيرها. في الزمن الإلكتروني، باتت ألعاب الطفولة محتاجه إلى حاسوب وشبكة إنترنت والحصول على برنامج اللعبة وتنزيله على الكومبيوتر. لا تجري دعوة الأصدقاء بالصوت والصراخ. بات البريد الإلكتروني كفيلاً بجمع الأصدقاء ودعوتهم للتحلّق حول شاشات حواسيبهم، والإمساك بال «ماوس». ثم تبدأ المباراة. في الصورة العامة، شركات الألعاب الرقمية تتنافس يومياً، لإعادة إنتاج حوادث السياسة والاجتماع، على هيئة ألعاب إلكترونية باتت جزءاً من الطفولة المعاصرة. ثمة جيش من العقول المبدعة، يعمل لتحويل وقائع ملموسة إلى عوالِم افتراضية. ولقد جرى الاستثمار في هذه العقول الشابّة، ودُرّبت كي تجعل من الأفكار ألعاباً افتراضية تستحوذ على اهتمام ملايين البشر. وعملياً، ينجذب الكبار كما الصغار (بل ربما أكثر منهم) إلى اللعب والتسابق والتنافس على الألياف الضوئية. يكفي القول إن حجم الأعمال المتوقّع لقطاع الألعاب الإلكترونية عالمياً بحلول عام 2015 يصل إلى 82 بليون دولار، ما يجعله الأسرع نمواً بين وسائط الترفيه الرقمي. ليس لبنان ببعيد من هذه الصورة، إذ يطمح لنيل حصّة في الألعاب الإلكترونية، متكّلاً على ملكة الإبداع لدى شبيبته. ولعل هذا ما شجع مجموعة «بادر» لإطلاق «جائزة هولندا لتصميم الألعاب الإلكترونية»، بالاشتراك مع السفارة الهولندية في بيروت أخيراً. ويتنافس المشاركون في هذه المسابقة على تصميم لعبة إلكترونية، ويحصل الفائز على جائزة مقدارها 7500 يورو. لا تبدو الجائزة مغرية مادياً، بقدر تأثيرها معنوياً، خصوصاً أن هناك برنامجاً لدعم الفرق المشاركة من قِبل خبراء أجانب يساهمون في إنضاج الأفكار التي يأتي بها شبيبة الجامعة وخريجوها. تحفيز التعليم وجرى الإعلان عن المسابقة في مؤتمر صحافي شارك فيه هيرو دي بوير سفير هولندا، والنائب روبير فاضل وهو رئيس «بادر»، وروجيه ملكي ممثلاً وزير الاقتصاد والتجارة في لبنان. وبيّن منظمو المسابقة أن المشاركة فيها مفتوحة، مُشيرين إلى ضرورة التقدّم بأفكار المشاريع المشاركة قبل الأول من نيسان (أبريل) المقبل. ووصف السفير الهولندي صناعة الألعاب الإلكترونية بأنها قطاع جدي. واعتبر أن مسابقة «جائزة هولندا لتصميم الألعاب الإلكترونية» تشكّل وسيلة ممتازة لجعل رواد الأعمال على بيّنة من متطلبات هذا القطاع وحاجاته. واعتبر المدير العام لمجموعة «بادر» أنطوان أبي سمرا أن اختيار «بادر» لتشجيع شباب لبنان في الانخراط في هذه المسابقة «يعود إلى سببين هما النظام التعليمي والأكاديمي في لبنان، وقدرة الشباب اللبناني على الإبداع في حال تهيّأت الظروف المناسبة لذلك». كما أبدى دي بوير ارتياحه للشراكة مع مجموعة «بادر المعروفة بدعمها لرواد الأعمال الخلاّقين». وأشار إلى أن المشاركين «يحظون بالدعم أثناء المسابقة، عبر ورشات عمل تديرها مجموعة من الشركات والجامعات في هولندا ولبنان». وشدّد على أن المسابقة «تتيح التقاء الخبرة والدراية الهولندية في الألعاب الإلكترونية، مع قدرة اللبنانيين على تقديم أفكار خلاقة، كما يستفيد الطرفان من النمو السريع للسوق العالمية في الصناعات الإبداعية». وأكّد ملكي أن وزارة الاقتصاد «مستعدّة لتقديم الدعم اللازم لأصحاب المبادرات والمشاريع في الصناعات الإبداعية، سواء عبر التمويل المتوافر حالياً، أم عبر حماية الملكية الفكرية». وشبّه إيفيرت هوغندورن، وهو مهندس في شركة «إياز فونشين» الهولندية، وضع لبنان في الألعاب الإلكترونية بما كانت عليه هولندا في 1999. ووعد بالعمل جدّياً على الانطلاق من هذه النقطة. وأوضح هذا المهندس أنّ حجم أعمال الألعاب الإلكترونيّة في هولندا سيُصبح بليوني دولار في الأعوام القليلة المقبلة، مشيراً إلى أنّ التنافس في هذا القطاع مفتوح تماماً، شريطة صنع المنتج المناسب. وضرب مثلاً على هذا الأمر لعبة «أنغري بيردز» Angry Birds (ترجمتها حرفياً «الطيور الغاضبة») التي جعلت مطوّريها من أصحاب الملايين، علماً أن استثمارهم الأوّل لم يتجاوز 100 ألف دولار، صُرِف ثلثه على الترويج لهذه اللعبة.