انتهى الأسبوع الأول من الدراسة في الفصل الثاني، عفواً أقصد انتهى الأسبوع الأخير من الإجازة المنتزعة عرفاً، الإجازة التي «يتحالاها» الطلاب، وتحللها الأسر، وتشارك المدارس والمعلمون والمعلمات في تكريسها. لدينا أربعة أسابيع ضائعة كل عام، أسبوعان قبل كل فصل، وآخران في نهايته قبل الاختبارات، ولو قامت الوزارة بإضافتها للإجازات الرسمية، لانتزع الناس أربعة أخرى فلا فائدة من هذه الخطوة. كرب أسرة أجدني بعد الإقرار بعجزي عن فرض الانضباط كون الفصول فارغة، وحضور المعلمين ضعيفاً، أجدني مستمتعاً باستمتاع أبنائي بهذه الأسابيع، لكنني عندما أفكر فيها، أجدها إحدى ثغرات التربية في المنزل، والتعليم في المدرسة. المؤلم أن كثرة الغياب في الأسبوع الأول من كل فصل باتت مؤشراً اجتماعياً لمستوى الأسرة و«الفشخرة»، فعند التخطيط للسفر يعامل هذا الأسبوع كأنه ضمن الإجازة، وحتى من لم يسافر يدعي بغيابه ذلك، والمضحك أن البعض بات يعلق بأنه لن يحضر حتى يقل الغبار من على الطاولات والأرضيات والجدران. نعلم أبناءنا «الفلتة» بإقرار من المدرسة، ثم نقول بعدم التزامهم، نقول إن مفهوم انتزاع الصلاحيات شبه غائب في ثقافتنا العملية عندما يعمل أبناؤنا في القطاع الخاص، رغم انتزاعهم وإيانا شهراً من كل عام من دون وجه حق. المعلمون ثبت تورط بعضهم في هذه الثقافة، فبعضهم يحث أبناءنا على عدم الحضور بطرق غير مباشرة، فهم يخبرونهم أن الأيام الأولى الأخيرة لن تكون فيها دراسة، ثم هم يبدون تذمرهم من كثيرة الغياب الذي سيحصل في تلك الأيام، وذلك قبل قدومها بالطبع لتذكيرهم بالغياب. هذه الأيام التي تبدو قليلة، تعطي النشء الإشارات الأولى لتكوين الشخصية العربية الحديثة، عدم الالتزام بالنظام، عدم احترام الوقت، أخذ ما لا يستحق، الالتفاف لأخذ ما يعتقد أنه يستحقه لكن من دون مواجهة أو جهد، والأهم هو إشاعة ثقافة الكذب حيث البحث عن الأعذار الواهية. إذا أردنا المزاوجة بين التربية والتعليم، فلا بد من طلاق بائن لهذه المتعة الكاذبة بالغياب، وتكفينا العلاقة المتوترة لأبنائنا مع المدرسة، التي لن نخرج منها بمساعدتهم على الهروب، بل بمحاسبة المدرسة ومحاسبتهم على هذا التفريط. يبدو من يتحدث هكذا ثقيلاً على الناس، لكن التأمل بقليل من الإنصاف ينسف مبدأ «وسع صدرك»، وفكرة «الله واكبر من زين التعليم»، وثقافة «كلها شهادة ووظيفة». عندما نتحدث عن الإنتاجية والالتزام في العمل، فالشاب الذي يدعوه والده للغياب عن يوم درس رسمي، ويساعده معلمه على تنفيذ ذلك من أجل راحته الشخصية، تتكرس لديه ثقافة «التفريك»، التي لا يمكن اعتبارها سوى سرقة الوقت المدفوع ثمنه له، وتشويه صورة المورد البشري السعودي. [email protected] twitter | @mohamdalyami