في تعبير آخر عن تنامي أهمية العلاقات الراسخة بين الصين وأفريقيا، زار مسؤولون صينيون على أرفع مستوى، القارة الناهضة. وخاطب أبرز المستشارين السياسيين الصينيين جيا كينغلن اثناء زيارته الودية لأثيوبيا، المجتمعين في الجلسة الافتتاحية للقمة السنوية للاتحاد الافريقي، وشارك في احتفال تدشين المقر الجديد للاتحاد. المبنى الجديد لمقر الاتحاد الافريقي والذي شيّد بمساعدة صينية ليس العلامة المميزة الأخيرة في العاصمة أديس ابابا بل هو أيضاً العلامة الأحدث على صداقة الصين وافريقيا. وعلى رغم التبدل المستمر في الوضع الدولي والمصاعب المالية الراهنة، ظلت الصلات الافريقية - الصينية قوية، إذ ينظر كل من الجانبين الى الآخر كعنصر شديد الأهمية في تطوره ورفاهه. ويشكل الاقتصادان الصيني والافريقي سريعا النمو وتعاونهما التجاري، مؤشرين طيبين إلى مدى اهمية الصين وافريقيا لبعضهما بعضاًً. بلغ حجم التجارة بين الصين والهند في الفصول الثلاثة الأولى من 2011، 122.2 بليون دولار اميركي، بزيادة تصل الى 30 في المئة عن عام 2010، وسجل الاستثمار الصيني المباشر غير المالي في القارة ارتفاعاً بلغ 1.08 بليون دولار. وتعاظم الاعتماد المتبادل بين الصين وافريقيا تعكسه الحاجة المشتركة كسوق لا غنى عنه لكلا الطرفين. وتلبي المنتجات والتكنولوجيا الصينية حاجات التنمية الافريقية، فيما ترحب السوق الصينية بالمنتجات الافريقية. يضاف إلى ذلك ان النمو السريع في الصين، وهي البلد النامي الأكبر في العالم، يتيح خبرة قيّمة لأفريقيا. والأهم أن الصين لا تسهل فقط تنمية افريقيا بل تساهم أيضاً في تعزيز قدرتها الذاتية على التنمية، عبر مساعدة بلدان القارة في إنشاء بنى تحتية أساسية. والتركيز على الازدهار الاقتصادي والتعاون التجاري هو بمثابة وجه شبه عميق صاغه الدعم المتبادل والثقة التي قطعت شوطاً طويلاً في ظل احترام كل من الجانبين لمصالح الطرف الآخر الأساسية. ومثال على ذلك ان الدول الافريقية الثلاث والخمسين كلها تقريباً تساند سياسة الصين الواحدة. من الناحية الصينية، رتبت بكين العديد من الزيارات الرفيعة المستوى الى افريقيا. وقام الرئيس هو جينتاو بأربع جولات في افريقيا منذ توليه منصبه عام 2003، أي اكثر من مجموع الزيارات التي قام بها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش وخليفته باراك اوباما، معاً. ومنذ 1991، يخصص وزير الخارجية الصيني أولى رحلاته الى الخارج مطلع كل عام لافريقيا. وفي العام الحالي، كانت اول زيارة لوزير الخارجية يانغ جيتشي بين الثاني والسابع من كانون الثاني (يناير)، الى بلدان افريقية ايضاً هي ساحل العاج والنيجر وناميبيا. وعلى رغم ذلك، زعم بعض وسائل الاعلام والمعلّقين ان اهتمام الصين بأفريقيا ليس سوى سعي أناني الى الموارد. ووسم بعضهم وجود الصين في افريقيا بالاستعمار الجديد، متجاهلاً ان الجانبين يستفيدان من العلاقة الثنائية وأن بكين تعلق اهمية متساوية على كل الشركاء الافارقة بصرف النظر عن مدى ثرائهم بالموارد الطبيعية او فقرهم اليها. وساهمت زيارة جيا لأثيوبيا في تقديم مثال آخر على ذلك بما ان اثيوبيا ليست غنية بالموارد. وكان الناطق باسم وزارة الخارجية ليو ويمين قال قبل اسبوع من الزيارة ان تعاون الصين في مجال الطاقة مع افريقيا ينبغي ان يجري تقويمه موضوعياً وبإنصاف على انه يتطابق تطابقاً تاماً مع الممارسات الدولية ومع قواعد السوق وانه ساهم مساهمة فاعلة في تعزيز اقتصادات البلدان الافريقية والتنمية الاجتماعية. وقال ليو ان الصين التزمت تنمية الاقتصاد والتجارة مع افريقيا على قاعدة المساواة والنفع المتبادل والتنمية المشتركة. والأعمال ابلغ من الأقوال. ففي بلدان مثل انغولا ونيجيريا واثيوبيا والسودان، تعمل الصين بجد لتوفير المساعدة الضرورية مستخدمة مواردها الفكرية والمادية الخاصة. ولم تكمل مشاريع بنى تحتية عديدة حيوية فحسب، بل دربت ايضاً عشرات الآلاف من العمال المَهَرة الذين سيعملون على ديمومة النمو في بلادهم. يضاف الى ذلك ان تحديث افريقيا ومستقبل الاقتصاد الصيني لا ينفصلان فيما يدفع تحديث افريقيا الصناعة والانشاءات في الصين، وتساهم الصين في المقابل في ما يعزز اشتراكها في النمو السريع في القارة. * افتتاحية، عن «غلوبال تايمز» الصينية، 27/1/2012، إعداد حسام عيتاني