بعد بدء العمل بالقانون الجديد لإدارة مجالس المحافظات غير المرتبطة بإقليم، والذي يعطي المحافظ ومجلس المحافظة صلاحيات أوسع من ذي قبل، بدأت تبرز حال من تضارب الصلاحيات بين الوزارات والحكومات المحلية، تتعلق خصوصاً بعمليات التطوير في المحافظات إضافة إلى تسمية مدراء تابعين للوزارات في المحافظات. وتنامت حدة التوتر بين محافظة البصرة (جنوب بغداد) ووزارة البلديات والأشغال العامة في بغداد التي عرقلت مؤخرا منح اراض لمشاريع استثمارية. ويقول رئيس هيئة الاستثمار في البصرة حيدر علي «ان وزارة البلديات اتخذت موقفا سلبيا من عمليات الاستثمار التي يجري التحضير لها في المحافظات من خلال عدم منح الأراضي التي ستقام عليها المشاريع الاستثمارية حسب القانون الخاص بالاستثمار، ما دعا الهيئات الفرعية في المحافظات إلى الانتظار حتى نهاية العام الجاري حيث ستتجمد صلاحيات الحكومة المركزية بعد الانتخابات في تمرير قرارات الاستثمار». المجالس البلدية في المحافظات، التي تتبع اداريا لوزارة البلديات ببغداد لكن قيادتها وتمويلها يتمان من الحكومات المحلية، سقطت بدورها في صراع الصلاحيات بين الطرفين ما ادى الى تعليق بعض تلك المجالس اعمالها بانتظار حسم مشكلة الصلاحيات والقرار الاداري والمالي. ويظهر تداخل الصلاحيات ايضاً في عمليات توظيف المنتسبين لفروع الوزارات في المحافظات حيث عادة ما تمتنع تلك الوزارات عن قبول اوامر توظيف اصدرتها السلطات المحلية في المحافظة لعدم توفر التمويل اللازم لها. وعلى رغم ان الحكومات المحلية تملك صلاحيات توظيف العمال والمنتسبين وادارتهم الا انها غير معنية بصرف اجورهم التي تصرف بالعادة من الوزارات التي تتبع اليها المؤسسات في المحافظات رسميا. وبرزت ازمة الصلاحيات مؤخرا بين مجلس محافظة ذي قار ووزارة الكهرباء التي أقال وزيرها كريم وحيد مدير توزيع الكهرباء محمد مطشر، لكن الحكومة المحلية اعادت مطشر الى وظيفته معلنة في بيان انها الغت قرار الوزير وفي حال امتنعت وزارة الكهرباء عن صرف مستحقاته المالية فستصرف من موازنة الحكومة المحلية. ويقول سياسيون وقانونيون ان قانون مجالس المحافظات لم يكن دقيقا في توصيف الصلاحيات ما سمح ببروز التضارب بين السلطات المحلية والحكومة المركزية على رغم ان تيار رئيس الحكومة نوري المالكي يسيطر على النسبة الاكبر من مقاعد محافظات جنوب العراق. ووقفت وزارة الكهرباء مؤخرا عاجزة امام تحديد مجلس محافظة ذي قار حصة المدينة من الطاقة الكهربائية التي تنتج من محطة الناصرية، الاكبر في العراق، ب360 ميغاواط بعد ان حددتها الوزارة ب 170 ميغاواط، ما يعني حرمان مناطق في العراق من الطاقة الكهربائية التي قررت حكومة ذي قار احتكارها بسبب وجود محطة الطاقة في اراضيها. ويقول عضو مجلس محافظة البصرة زياد علي فاضل ان «بعض الوزارات تطالبنا بالإيفاء ببعض الالتزامات التي فرضتها بشكل غير دستوري مقابل تحقيق مطالب تطلبها السلطة المحلية فتضع الالتزامات بالإنتاج النفطي مقابل التزامات من قبلها تتعلق بتوظيف العاطلين». ويؤكد أستاذ القانون الدستوري في جامعة البصرة فهد عبدالصمد «ان اصل الخلاف بين الجانبين يعود إلى مجموعة القوانين التي سنها الحاكم الأميركي السابق للعر اق بول بريمر». واضاف ان «بريمر وضع حينها نصاً يبيح للمجالس المحلية رفض قرارات الوزراء، ما وضعنا في متاهة كبيرة وتضارب في الصلاحيات بين المحلي والمركزي، وبالتالي فإن بذرة الخلاف والصراعات كانت بفعل قانون بريمر الذي وضع أسس الدولة الفيديرالية لدولة ما زالت مركزية». ولفت الى ان «قانون المحافظات لم يعالج هذا الخلل بل عمقه الأمر الذي يبرز الخلاف الدائم في الصلاحيات بين الطرفين».