لم نعرف ما الذي أرادته فضائية «الشروق» السودانية حين قدمت في سهرتها «سوداني» مجموعة من الشبان وهم يتبارون في استعراض «شجاعتهم» بخلع قمصانهم وجلد بعضهم بعضاً بالسوط أمام كاميرات برنامجها الذي يفترض انه مكرس لتوثيق سير المطربين وأغانيهم! هل كانت القناة بحاجة لاستدعاء هذه العادة «المتخلفة» لإمتاع مشاهديها بمزيد من الإثارة؟ صحيح أن المطرب الذي اختارته السهرة غنى مجموعة من الأغنيات «الحماسية»، وصحيح أن ضيوف البرنامج وبينهم المطرب ذاته من قبيلة «الجعلية» التي يربط البعض هذا الطقس الدموي بأفراحها. ولكن هل يكفي ذلك مبرراً لإعادة تقديم عادة اجتماعية اكتشف الناس، أن أخطارها الصحية أكبر بكثير مما تسبغه على ممثلها من قيم الشجاعة وقوة التحمل وشدة البأس وسواه؟ وإذا كانت القناة تريد أن تعرفنا بهذه القبيلة وعاداتها وطقوسها لماذا لم تقدم المشهد كاملاً، خصوصاً أن مصادر تشير الى أن الجلد بالسوط «ويسمى البطان» في أفراح هذه القبيلة يحصل بحضور مجموعة من الحسان الراقصات حيث يتبارى الشبان على تقديم أنفسهم للجلد كسباً لود إحداهن أو إظهاراً لقوة تحملهم أمام اعينهن. فعلى من يرغب في الحصول على «الشبّال» أي اقتراب إحدى الراقصات منه وهي تهز رأسها؛ عليه أن يحتمل شر هذا الشبّال. ويقولون في ذلك: «الشبّال بي شرّو»، أي انه يلزم ان يتحمل المتطوع الجلد الذي بلا شك سيبقي بخرائطه العميقة على الظهر لأيام عقب تلك الأمسية! فلئن رضي أولئك الشبان ب «الشبّال» ككنز يستحق هذا الفداء الدامي في أفراحهم، فأين هو في سهرة «سوداني» التي شاهدنها، وكيف تقنعنا هذه الفضائية بحرصها على تقديم كل مورثات هذه القبيلة أو غيرها، من باب الاحتفاء بالفولكور أو أي باب آخر وهي تقطع هنا وتبتسر وتختزل هناك! قناة «الشروق» بحاجة الى ان تعيد التفكير في ما تريده؛ فهي على رغم مرور وقت طويل على بداية بثها تبدو كل يوم وكأنها لا تزال في ساعات بثها التجريبي، تتخبط في الاتجاهات، ولا تعرف ماذا تنتقي أو ماذا تتقي!