تضم باريس نخبة كبيرة من المثقفين السوريين الذين فروا من ويلات الحرب والملاحقات الأمنية. ويبدو المثقفون السوريون حريصين على استمرار نهج اشتغالهم الثقافي، وقد أطلقوا أمس، بمبادرة من جمعيات سورية-أوروبية، قافلة ثقافية تحت شعار «الحرية لشعب سورية». القافلة التي يشارك فيها رسامون، مسرحيون، موسيقيون، مصورون، وكتاب سوريون مقيمون في أوروبا وخارجها، ستجول في مدن فرنسية وأخرى أوروبية، تشمل إيطاليا، النمسا، ألمانيا، وسويسرا. وستقدِّم عروضاً مسرحية طرقية، وندوات سياسية، وعروضاً سينمائية، بالإضافة إلى الكثير من النشاطات التي تسمح بها الظروف في كل مكان تصل إليه. ورغبةً في الابتعاد من التمويل وأجندته، ستكون نفقات هذه القافلة مغطاة من تبرعات المشاركين والأفراد الراغبين في المساهمة. ويود المشاركون أن تتحول هذه القافلة إلى تظاهرة ثقافية شهيرة، وتكرَّس كفعل سنوي، لتقول ثقافياً ما تعجز عنه السياسة بمباشرتها وعدم قدرتها على الوصول إلى الجميع. ومن بين النشاطات التي تقدمها القافلة، أعمال للفنان التشكيلي السوري محمد عمران المنتمي إلى الجيل الشاب، وفق أدبيات النقد، وهو معروف بحساسية لوحاته التي تنقد النظام وسلوكياته. وفيها أيضاً صور لجابر العظم الذي التزم المقاومة الثقافية للنظام، حتى أصبح أحد أهم الناقدين للإعلام السلطوي. وغالبية المشاركين حققوا شهرتهم الثقافية الأوسع عقب الثورة السورية، كفئة شابة، ويبقى للأسماء المشهورة وصاحبة الحضور مثل النحّات عاصم الباشا، والروائية سمر يزبك، والقائمة تطول... حضورها البارز. تتميز هذه القافلة بحساسية مرهفة تجاه الجمهور الأوروبي، وتبدو حريصةً على كسب السياسي عبر الفضاء الثقافي، بحيث تعكس القافلة عفوية الثقافة السورية وتحررها في وقت يبدو الإعلام مركّزاً على جزئية الكتل السلفية السوداء، ناسياً أو متناسياً، جانباً آخر للصورة غيبته آلة حرب النظام عمداً. الفنان التشكيلي السوري ولاء دكاك، أحد المشاركين في القافلة، قال ل «الحياة»: «ربما انتصار الثورة السورية كواقع ميداني تأخر، ولكن لا يمكن إنكار انتصارها كواقع ثقافي معاش، فقد جسدت سلوكيات ثقافية أعادت إنتاج المشهد، ولو شكلياً في بعض الأحيان، وهذا بحد ذاته تغيير جذري ناتج من رغبة جماهيرية وثقافية في التغيير». وأضاف: «القافلة تدير حواراً بين النخبة المثقفة السورية، إن صح التعبير، في فضاء عام حر، بعيداً من الفضاء السلطوي المحتل من السلطة وأدواتها الثقافية». وفي ما يخص هدف القافلة في أوروبا، يقول دكاك: «لا يمكن إدارة حوار سياسي مباشر وذي مردود وأثر ملموس ومباشر، بمقدار ما يمكن إدارة حوار ثقافي. التطبيع الثقافي في العالم عموماً وأوروبا خصوصاً، أسهل وأكثر فعالية وجدوى من التطبيع السياسي. إقناع متلقٍ بقضية ما أبسط عبر منتج بصري أو تشكيلي منه عبر خطاب سياسي». والجدير ذكره أن منظمي القافلة أطلقوا صفحة على «فايسبوك» بهدف الترويج والتواصل وتلقّي التبرعات.