من يناير إلى يناير، كيف كنا وإلى أين وصلنا؟! من هتافات الشعب والجيش يداً واحدة كانت نبض الميدان، إلى هتاف في ميادين الثورة، يسقط يسقط حكم العسكر. من يناير إلى يناير، لم يتغير الثوار، لكنهم فقط اقتربوا وعرفوا. من يناير إلى يناير، عام مضى، كم من أسرة فجعت في ولدها، وباتت تمسح دموعها، تنام كل ليلة تنتظر العدالة، تحلم بالقصاص، تبحث عن شمس الحق. عام مضى، والقاتل يمرح في سجن فندقي الخدمة، ومن حاول أن يكمل طريق الشهداء، إما لحق بهم، أو يواجه الاتهامات بالعمالة، والسعي إلى خراب الوطن، عبر آلة إعلامية فجة الكذب والتضليل والتطبيل، آلة إعلامية تذبح الضحية فقط لعلو صوت صراخه، بينما لا تجد في الجلاد وسوطه ما يستدعي الانتباه والمحاسبة. من يناير إلى يناير، كنا نطالب بالقصاص لدماء الشهداء في ثورة 25 يناير، فوجدنا أنفسنا نطالب بمحاسبة المتورطين في التعذيب في المتحف المصري وكشوف العذرية، ثم مطالبين بالقصاص لشهداء ماسبيرو. كانت ترنيمة الثورة في يناير الماضي «عيش حرية عدالة اجتماعية» ... «تغيير حرية كرامة إنسانية»، ولا نحتاج إلى عبقرية لندرك أن شعب مصر خرج في ثورة، والثورة تعني تغييراً جذرياً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأن شعارات هذه الثورة تلخصت في الكرامة والعدالة والحرية، وبعد عام كامل، وفي يناير 2012، كشف عنا الغطاء ، فلا عدالة دون قصاص، ولا يمكن لقتلة أن يأخذوا القصاص من قتلة، وكأن شيئاً لم يكن، ولتطوى الأقلام وتجف الصحف، وهنيئاً للإخوان موقع الحزب الوطني المنحل، ولا عيش ولا حرية ولا عدالة اجتماعية ولا كرامة إنسانية، فالعيش طوابيره كما هي، وأضيف إلى طوابير العيش طوابير أنابيب البوتغاز، والعدالة منعدمة، وجدول الأجور مختل، ولا تزال الثورة القومية منهوبة من أعلى، بينما يعاني المصريون الفقر والبؤس واليأس، والغاز المصري يصدر إلى إسرائيل، والمصريون يبحثون بطلوع الروح عن أنبوبة البوتغاز، ودخلنا في عك سياسي ذي خلفية عسكرية، وعك انتخابي ذي طبيعة دينية، ووفق القانون المصري تحظر الدعاية الدينية في الانتخابات، بينما لم نجد في هذه الانتخابات دعاية غير دينية! وبدا أننا عدنا إلى نقطة الصفر، بعد دورة كاملة كما يقال في علوم الرياضيات 360 درجة. وبدت الحقيقة ساطعة، وكأننا قمنا بثورة في دورة كاملة، وانتهينا إلى حيث بدأنا، نسعى اليوم بعد عام كامل من ثورتنا الأولى، لإسقاط نظام لم يسقط بعد، وبثورة إنقاذ لتعديل مسار الثورة الأصلية، لكننا اليوم أكثر وعياً، وأعمق فهماً. ظهر الحق من الباطل، وتبين الخيط الأبيض من الأسود، ونعي جيداً كيف نثور من جديد من دون أن تكون ثورتنا كروية تدور حول نفسها.