عرضت قناة «العربية» أخيراً الفيلم الوثائقي «أولاد آرنا» للمخرج جوليانو مير خميس. لا نعرف إن كانت هذه هي المرة الأولى التي تعرض قناة عربية هذا الفيلم، إذ يعود بإنتاجه إلى العام 2004، الأمر الذي يؤكد مجدداً أن الفيلم الحقيقي لا يبهت بمرور الأيام، ولا يخفت وهجه، بل ربما يكون عند استعاداته المتكررة أكثر قدرة على النفاذ إلى حيز التعبير، وملاءمة الوقت الحاضر؛ زمن عرضه، كما كان ملائماً في الوقت الماضي؛ زمن إنتاجه. تُحقِّق قناة «العربية» مجموعة من الضربات الذكية باختيارها لعرض هذا الفيلم الوثائقي الذي يمكن اعتباره أحد أهم الأفلام الوثائقية المُنجزة بصدد القضية الفلسطينية، إن لم نقل أحد أكثرها إثارة للجدل. فالفيلم يتناول فصلاً من سيرة آرنا مير؛ المرأة التي تحوّلت من صهيونية مُتعصِّبة، حيث كانت في شبابها، في العام 1948، تنتمي إلى قوات «البالماخ»، فأصبحت مناصرةً قويةً للفلسطينيين ونضالهم من أجل الحرية. كما أن الفيلم من إخراج جوليانو مير خميس؛ ثمرة زواج آرنا مير من المناضل الفلسطيني صليبا خميس، لتتداخل في هوية هذا المخرج معطيات فريدة من نوعها، فالأب عربي فلسطيني مسيحي، والأم يهودية نفضت عنها صهيونيتها، وحاول كثيرون نزع إسرائيليتها عنها، بسبب تضامنها مع الفلسطينيين! في الواقع، كما في الفيلم، تنتقل آرنا إلى ضفة الفلسطينيين، وتنتمي إليهم، وتسعى بكل ما لديها لمساعدة أطفال مخيم جنين، للسير على طريق العِلم والحرية. كانت البداية في العام 1989، إبان الانتفاضة الفلسطينية، عندما بدأت مشروعها من خلال «بيت الطفولة»، حيث سنراها توجه حديثها لأطفال المخيم قائلة: «الانتفاضة بالنسبة إلنا هي قيم أوّلية... عِلم، وحرية»، وترفع شعارها الصريح «لا سلام من دون حرية». ستموت آرنا عام 1995، بعد صراع مع السرطان. لن تعيش حتى العام 2002، لترى الاجتياح الإسرائيلي للمخيم. وإذ كانت وصيتها الأخيرة لابنها جوليانو: «دير بالك على أخوتك»، فإنه سيستمر بتصوير هذا الفيلم على مدى 15 عاماً ليرصد مصائر «أولاد آرنا» من أبناء المخيم، أولئك الذين نتعرَّف إليهم في البداية أطفالاً يتعلمون ويحلمون، ومن ثم سنرى نهاياتهم الدامية، مأخوذين إليها بفعل ممارسات الاحتلال. من العملية التفجيرية التي نفّذها «يوسف السويطات»، في مدينة الخضيرة، عام 2001، إلى استشهاد «أشرف أبوالهيجا»، ودفنه في مقبرة جماعية، إثر اجتياح المخيم، عام 2002، ينتهي الفيلم للوقوف مطولاً أمام حكاية الشاب علاء الصباغ، الذي يصر على عدم الاستسلام، ولو كان ثمن ذلك أن يقتله جيش الاحتلال، وهو ما سيُقدِّمه الفيلم في مشاهد مؤثرة جداً. حاز فيلم «أولاد آرنا» على الجائزة الأولى في مهرجان «عالم واحد» للأفلام الوثائقية التي تُعنى بقضايا حقوق الإنسان، خلال دورته السادسة في العاصمة التشيخية، إضافة إلى جائزة وزير الثقافة التشيخي لأفضل فيلم. كما حاز جائزة الفيلم التوثيقي في مهرجان «هوت دوكس» الكندي، وجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان «ترايبيكا» الثالث في نيويورك، وعلى التصنيف الرابع في مهرجان «إدفا» في أمستردام... أما في بلداننا، فيكفي أن تتنبه إليه قنوات ذكية مثل «العربية»، لينال جائزته الكبرى من الجمهور العربي.