عاود رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري اتصالاته لإخراج ملف تصحيح الأجور من التجاذبات وتهيئة المناخ السياسي لطرحه مجدداً على مجلس الوزراء في جلسته غداً، واستقبل مساء أمس، لهذه الغاية، وفداً مشتركاً من الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام وبحث معه في شرعنة الاتفاق المعقود بينهما في خصوص الأجور على قاعدة حفظ ماء الوجه لوزير العمل شربل نحاس بناء لرغبة «تكتل التغيير والإصلاح» الذي يصر على توفير المخرج اللائق له لئلا يظهر مهزوماً أمام الرأي العام اللبناني. وعلمت «الحياة» أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تمنى في مستهل الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء مساء أول من أمس، عدمَ إدراج الاتفاق الرضائي المعقود بين الهيئات الاقتصادية وقيادة الاتحاد العمالي حول تصحيح الأجور، وبالتالي سحبه من التداول وتأجيله الى الجلسة التي تعقد اليوم. وأكدت مصادر وزارية ان دعوة ميقاتي الى التمهل تهدف الى اعطاء فرصة لقيام بري بمحاولة أخيرة لإقناع الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية بالموافقة على ادخال بعض «الرتوش» لإرضاء الوزير نحاس، من دون أن تحدث تغييراً في صلب الاتفاق المعقود بينهما. وقالت المصادر نفسها إن بري أخذ على عاتقه السعي لدى الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية لإقناعهما بتدوير الزوايا، مع انه يعتبر ان لا مجال لإدخال تعديلات جوهرية على الاتفاق يمكن ان تعيد البحث بينهما الى نقطة الصفر. ولفتت الى ان «تكتل التغيير» برئاسة ميشال عون وافق على مضض على تجميل الاتفاق في شأن تصحيح الأجور، بعد أن بلغه ان الوزراء المنتمين الى الكتلة النيابية التي يتزعمها بري سيصوتون الى جانبه، وأنه لم يعد من فائدة لتأجيل إقراره بصورة قانونية في مجلس الوزراء، باعتبار ان شرعنته لن تلقى اعتراضاً من مجلس شورى الدولة. وكشفت المصادر ان الغالبية في «تكتل التغيير» باتت على قناعة بضرورة تبني الاتفاق وإخراجه من التحدي، لكنها في المقابل تحرص على مراعاة نحاس، وهي توصي بإعطاء وزيرها في الحكومة «هدية» سياسية لأنها لا تستطيع التخلي عنه وهذا ما أسرَّ به عضو التكتل النائب ابراهيم كنعان في اتصالاته بأركان الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي. وأوضحت ان عون، في اجتماعه الأخير مع وفد الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية، أبدى تفهماً للاتفاق الرضائي حول تصحيح الأجور لكنه عدل في اللحظة الأخيرة عن اعلان موافقته، لأنه لا يريد أن يبقى نحاس وحيداً. وقالت ان كنعان تولى، بطلب من «الجنرال»، الاتصال بوزير العمل لإقناعه بتليين موقفه، خصوصاً ان الوزير أخذ يتصرف حيال الاتفاق وكأن الموافقة عليه من دون أي تعديل تشكل خسارة شخصية له... ونقلت المصادر نفسها عن مسؤولين في «حزب الله»، موافقتهم على الاتفاق، وأنهم يتحركون في اتجاه حليفهم عون لإقناع وزير العمل بسحب تحفظاته عنه. وأكدت أن هؤلاء المسؤولين، ومعهم آخرون من حركة «أمل»، كانوا أبلغوا من يعنيهم الأمر تأييدهم الاتفاق، ليس لأنه الأول من نوعه بين أرباب العمل والعمال فحسب، وإنما لعدم قدرة المؤسسات التابعة لهم على الالتزام بتطبيق ما يقترحه نحاس من تعديلات. وقالت المصادر عينها، إن «حزب الله»، وانطلاقاً من قناعته بتعويم الاتفاق، لم يأل جهداً لإقناع عون بصوابية موقفه، لكنه في المقابل لن يختلف معه نظراً الى ما سلّفه عون من مواقف داعمة في القضايا الكبرى. وإذ رفضت هذه المصادر الدخول في تفاصيل «الرتوش» المقترحة لكسب تأييد نحاس ومن خلاله «تكتل التغيير» للاتفاق، أكدت في المقابل، أن الجهود منصبّة في الوقت الحاضر على تأمين انتصار «وهمي» لوزير العمل لن يبدل من مضمون الاتفاق. وأضافت ان الاجتماع المسائي الذي عقد بين بري والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي، كان مدار بحث على هامش حضور الأول الى السراي الكبيرة ليشارك رئيس الحكومة في إطلاق الضوء الأخضر لتنفيذ مشروع الليطاني. وتابعت ان ميقاتي يدعم بري في تحركه ويقف الى جانبه في السراء والضراء، وأن وزير الصحة علي حسن خليل بقي طوال نهار أمس على تواصل مع رئيس الحكومة لإنجاح المحاولة الأخيرة لرئيس المجلس، الذي يرى ان من غير الجائز الاستمرار في الدوران في حلقة مفرغة. بدورها، قالت مصادر في الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي ل «الحياة»، إن ليس لديها ما تعطيه في الجوهر لكسب ودّ وزير العمل، الذي اعتبر ان الاتفاق يشكل تحدياً له، على رغم ان القائمين به ليسوا في هذا الوارد ولم تكن لديهم نية للانجرار الى اشتباك سياسي معه. لذلك، تتريث المصادر الوزارية في التفاؤل بقرب الانفراج ما لم يصدر الدخان الأبيض من قاعة مجلس الوزراء، وتعزو السبب الى ان الحل بيد عون على رغم ان حلفاءه يضغطون لإقرار الاتفاق، وبالتالي عليه ان يقدر الموقف وهل يحتمل نتائج التصويت في مجلس الوزراء وما يترتب عليه من اختلاف بين أهل «البيت الواحد» يمكن ان يترك تداعيات سياسية تنقض ما يقال من حين الى آخر، من ان قوى 8 آذار صامدة على مواقفها ومنسجمة في أطروحاتها، وأن المحاولات لزرع الشقاق بين قواها الرئيسة لن ترى النور وسترتد على من يراهن على إحداث انقسام لا مصلحة لأحد فيه.