يبدو أنه أصبح في متناول أي مواطن لديه وقت فراغ طويل، وكم قرش، في السعودية، أن يؤسس جامعة من منزله، ويطلق عليها اسماً رناناً، ثم يتفق مع بعض شيوخ الدين بمقابل مادي أو من دون لتسويق جامعته «الوهمية» بين الباحثين عن الشهادات العليا وحرف الدال، ثم يبدأ في حصد الرسوم وتوزيع الدرجات العلمية على «الدفّيعة» ليغادر مضارب الفقر والفراغ بصاروخ «أرض جو»... هذا كل ما يمكن قوله عن مشروع أطلقه أحدهم في مكةالمكرمة لجامعة وهمية، ليس هناك أي اعتراف رسمي بها من الحكومة السعودية، ولا مقرات مشهورة، سوى موقع الكتروني على الشبكة العنكبوتية «تم حجبه أخيراً»، يوضح أن الجامعة تمنح شهادات ماجستير ودكتوراة. العجيب في الأمر أن أخانا صاحب المشروع «اللولبي»، وفي سبيل شرعنة شهاداته وتسويقها على النحو المطلوب، احتزم بمجموعة من أسماء شيوخ الدين المشاهير، إذ وضعها في قائمة سماها قائمة «أمناء مجلس الجامعة»، ولا أعلم حقيقة كيف تم ترويج مثل هذا الأمر تحت سمع وبصر الجهات الرسمية المسؤولة عن التعليم العالي في المملكة، وكذلك الجهات الأمنية، خصوصاً أن أخانا ظهر في لقاء تلفزيوني عبر قناة إخبارية عربية شهيرة، قبل فترة، معرفاً نفسه بأنه رئيس الجامعة، أو «موقع الانترنت»، إن صح التعبير. إخوتنا المصريون يسمون مثل هذا النوع من الجامعات ب «الجامعات المضروبة»، والضرب هنا ليس سوى مسمى شعبي دارج للتزوير، فتجد أحدهم يذهب لمزور محترف قائلاً «يا عم اضرب لنا باسبور»، أي زوّر لنا جواز سفر، وعلى هذا المنوال يمكننا أن نذهب لأحد الشيوخ المشرعنين لجامعة صاحبنا في مكةالمكرمة، ونقول له «يا شيخ اضرب لنا جامعة»، صحيح أننا قد نضطر لرش مبلغ مالي على الشيخ من باب بعث روح «الطراوة» في الجلسة، لكننا في الأخير سنجد أننا أصبحنا ملاك جامعة يعترف بها فضيلته، وبالتالي سيأتينا أتباعه ومعجبوه ومحبوه من طلبة الشهادات زرافات ووحدانا، وقد ننافس جامعات مثل هارفرد واكسفورد في عدد الخريجين كل عام، وكفى الله المؤمنين شر «التراخيص الرسمية» ودوخة البيروقراطية. الحق أقول إن ما لفتني لموضوع هذه الجامعة وغيرها من الجامعات الوهمية، أو «دكاكين بيع الشهادات» في السعودية، التي يحتاج الحديث عنها لمقالات عدة، هو حديث هاتفي مع الصديق الدكتور موافق الرويلي، عضو مجلس الشورى، الذي حمل على عاتقه مهمة فضح المتاجرين بالدرجات العلمية في السعودية، بعد أن تجاوز عدد الحاصلين على هذه الشهادات المضروبة عشرات الآلاف من الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص، ومن رجال الأعمال الذين يستخدمون هذه الشهادات ل «البرستيج»، لكن ما استفزني حقاً هو دخول مسألة «التزكية الدينية» في هذه اللعبة غير النظيفة لتتحول بقدرة قادر من متاجرة بالدرجات العلمية إلى متاجرة ب «الدين» وتسويق ب«اللحى»، فكل شيء أصبح جائزاً في سبيل حصد الأموال اليوم. الدكتور موافق الرويلي، رجل قرر بشجاعة ليست مستغربة عليه أن يحارب شبكة معقدة من التحالفات التجارية، التي أمضت سنوات طويلة في بيع الوهم على بعض السعوديين، وهو يستحق من وسائل الإعلام والجهات الرسمية كافة مساندة مشروعة، ولعل أولى بشائر نجاح خطواته تتمثل في قبول مجلس الشورى مناقشة النظام الذي تقدم به لحماية المجتمع من الجامعات الوهمية، وكما علمت فإن المجلس سيصوت قريباً على هذا النظام المقترح، ما يعني أن على السادة النصابين وشيوخهم أن يفكروا جدياً في تحسس جيوبهم من الآن. [email protected] Twitter | @Hani_AlDhahiry