خلال عام كامل، غطى الصحافي كريستيان كاتوميرس مجريات الثورة التونسية للتلفزيون السويدي، وفي الذكرى الأولى لانطلاقتها قدم برنامجاً خاصاً عن الدور الذي لعبته المرأة التونسية فيها بعنوان «النساء في تونس» وهو عبارة عن يوميات تلفزيونية لأربع نساء قارعن حكم زين العابدين بن علي على أكثر من صعيد. البرنامج يستجيب ضمناً إلى القلق السائد في الأوساط الغربية على مستقبل المرأة التونسية بعد وصول «حزب النهضة الإسلامي» إلى سدة الحكم، ومع هذا لم يتناول مُعده هذا الجانب مباشرة، مفضلاً تسجيل قصص النساء التونسيات لتعبر بنفسها عن نضالهن الحقيقي في التخلص من حكم بن علي الديكتاتوري وتحقيق الديموقراطية للبلاد وضمان حقوقهن المدنية في المجتمع عبر رصد لنشاطهن منذ الأيام الأولى للثورة وصولاً إلى ما بعد انتخابات «المجلس الوطني التأسيسي» في الثالث والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) 2011. في الذاكرة بدأ كاتوميرس برنامجه بسؤال عن مشاعر النساء التونسيات في الذكرى السنوية الأولى لأحداث الرابع عشر من كانون الثاني (يناير) وهل ما زلن يتذكرن تفاصيل أحداثه؟ فجاء جوابهن متقارباً ومؤثراً: «لن يمحى هذا اليوم من ذاكرتنا أبداً. تحقق فيه حلم ما كنا نصدق يوماً أن يكون حقيقة»! وحكت كلمات الناشطة والكاتبة على صفحات الإنترنت يعاد بن رجب والمختلطة بالدموع ما في دواخل عامة التونسيين: «كلما تذكرت ذلك اليوم أبكي فرحاً، لن أنسى تفاصيله لحظة، فكيف يمكن للإنسان نسيان يوم عظيم كهذا؟». يسجل البرنامج لقاءات كاتوميرس مع النساء الأربع منذ وصوله إلى تونس قبل عام، ويتابع حركتهن التي يَتَبيّن لنا من خلالها حجم النشاط المعارض للحكم وتنوع مستوياته وأيضاً طبيعة النشاط النسوي في إطار عمل منظمات المجتمع المدني، ومنها «الجامعة النسوية» التي تعمل فيها الأستاذة الجامعية والحقوقية سناء بن عاشور. يوميات هذه المرأة وحدها تكفي للتعرف إلى نساء لم يتوقفن يوماً عن النضال في سبيل تحقيق قيمهن في المساواة والعدالة، فسناء ظلت تواصل العمل في منظمات نسوية لم يعترف النظام بها طيلة عشرين عاماً وعلى رغم مرضها ما زالت تتمتع بحيوية ونشاط. واليوم يراها الصحافي وهي تدير منظمة «النساء الديموقراطيات» وتقول له: «بسبب انشغالاتي الكثيرة لا أتمكن من النوم أكثر من ساعتين يومياً. عندي أفكار ومشاريع كثيرة أريد تحقيقها». وعلى المستوى ذاته تقول له يعاد: «أشعر بالتوتر وبالخوف من أن يأتي أحدهم ويسرق ثورتنا. هذا الإحساس يحفزني للعمل أكثر في منظمات وحركات نسوية والمشاركة الحيوية». في المقابل، أخذت المحامية آمنة زهروني على عاتقها مسؤولية الكشف عن أساليب النظام في تعذيب معارضيه، وبخاصة جرائم اغتصاب الناشطات التونسيات في أقبية شرطته. وخلال سفرها، إلى مدينة انطلاق الثورة رافقتها كاميرا البرنامج لتتابع لقاءات مع الفتيات المغتصبات على رغم نكران غالبية العائلات تعرض بناتهم لهذا الفعل مراعاة لاعتبارات اجتماعية كثيرة تفهمت المحامية آمنة قسماً منها، لكنها وجدت في صمتهم تستراً على الجاني. بخاصة أن فتيات كثيرات جئن إليها وأكدن سماعهن كلاماً من سجينات حول تعرضهن للتعذيب والاغتصاب. ما عدا هذا حصلت المحامية على الكثير من الشهادات والوثائق أقنعت بها الجهات القضائية بفتح ملف تحقيق واسع في تلك الجرائم. وعي سياسي في متابعة ليوميات المحامية يتأكد إتساع النشاط المبذول من قبل النساء التونسيات لدعم بقية بَنات جنسهن وزيادة وعيهن بحقوقهن كافة مع أن الاستجابة ما زالت ناقصة وبحاجة إلى مزيد. لهذا اقترحت المحامية برنامجاً تلفزيونياً تُوَضح فيه الجوانب القانونية بطرق مبسطة وسهلة، وقدمت بعض حلقاته. كان الإعلام وشبكة التواصل الاجتماعي من بين أكثر الموضوعات إثارة في البرنامج السويدي «النساء في تونس»، والذي قدم ضمن حلقات «فيلم وثائقي»، للعبهما دوراً مهماً في إسقاط النظام، وأيضاً لتعرض وظيفتهما إلى تغيرات وتشابكات تَعرضُها يوميات الصحافية أمل بيجاوي المناهضة الإعلامية النشطة والتي أشارت إلى صدور صحف جديدة، خلت صفحاتها الأولى من الدعاية المباشرة للسلطة ومن صور بن علي على رغم أن المؤسسات الإعلامية الرسمية ما زالت بعض إداراتها مع صحافيين عاملين فيها ينحازون إلى النظام القديم. كلامها حفز الصحافي للسؤال عن التناقض الموجود في جمعها شخصياً بين العمل ولسنوات طويلة في مؤسسات إعلامية رسمية وبين نشاطها المعارض، ورداً عليه قالت: «ليس من السهل مقاومة نظام بن علي وآلية عمل مؤسساته الإعلامية التي كان قصره يتدخل في أدق تفاصيلها، ولهذا كان الحفاظ على مصدر العيش هو أحد عوامل دعم مقاومتنا ضده». وعلى المستوى المهني تحاول بيجاوي تأسيس نقابة جديدة للصحافيين بعدما أسست «بيت الصحافة الحر». الصفحات الأخيرة من اليوميات التلفزيونية سُجلت فيها وقائع الانتخابات الديموقراطية الأولى في تاريخ البلاد والتي شاركت فيها النساء الأربع. لقد شعرن وللمرة الأولى أنهن يساهمن في ترسيخ ديموقراطية البلاد الوليدة. ورغم أن نتائجها لم تأت في مستوى طموحاتهن، ما زلن يحملن الأمل وكما قالت إحداهن: «مثلما تحقق حلمنا في ثورة، فإن أحلام النساء التونسيات الكبيرة ستتحقق يوماً ما».