أستغرب جداً لهذا الصرف العالي والمستمر لقطار الرياضالدمام، فقد التهم هذا الطريق منذ انطلاق خدمة سكة الحديد في السعودية، البلايين من الريالات، ومع ذلك لم يحفزنا كمسافرين لأن نصعد إلى القطار ونستمتع برحلته، ولو كنت مسؤولاً حكومياً وأملك القرار، لأغلقت العربات الخاصة بنقل الركاب، وأبقيت عربات الشحن، أو أنني ألغيت مؤسسة سكة الحديد، فالمبالغ التي صرفت عليها خلال العقود الستة الماضية كانت تكفي لإقامة مدن جديدة وانتعاش قرى نائية، ولا أعرف سبباً مقنعاً يجعل قطارنا الوحيد عائشاً حتى الآن، رغم النكسات التي يواجهها. الحقيقة مؤسسة مثل سكة الحديد، ذكرتني بقطاعات حكومية أخرى، إنفاق أكثر وميزانيات أعلى، ولكن على أرض الواقع خدمات دون المستوى، مثل الصحة، التعليم، التعليم الفني والتدريب المهني وبعض المؤسسات الأخرى، ما العائد الاستثماري والمعنوي أو المادي الذي من أجله نراهن على بقائه واستمراره على مسافة لا تزيد على 1000 كيلومتر، لو أننا بلد مثل الهند في عدد السكان ونعتمد في تنقلاتنا على خطوط سكة الحديد، لقلنا هذا ممكن، فبلد مثل الهند ليس لديها خطوط سريعة أو مزدوجة، ولو أن لدينا كثافة سكانية وبشرية، لقلنا إن ذلك ممكن ومقنع، ما هي إذاً الأسباب التي تجعلنا نتمسك ببقائه واستمراره، والصرف عليه وبميزانيات ضخمة. ميزانية وزارة النقل بلغت هذا العام أكثر من 91 بليون ريال، بالتأكيد ميزانية مؤسسة سكة الحديد لها نصيب جيد، وحتى أكون صادقاً في ما أقول إن قطارنا يسير بدون عوائد تشغيلية مربحة، اقرأوا الحوار الذي أجراه الزميل احمد المسيند في صحيفة «الحياة» الأسبوع الماضي مع الرئيس العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية المهندس عبدالعزيز الحقيل. المؤسسة أنفقت 600 مليون ريال لنقل كامل مسار الخط الحديدي في محافظة الأحساء الى خارج النطاق العمراني، وتركيب سياج بطول 800 كيلومتر، تصوروا المسافة الحقيقية بين الرياضوالدمام هي 450 كيلومتراً، ولكن حينما نسافر بالقطار تطول هذه المسافة، ووقعت عقداً بقيمة 983 مليون ريال لتوريد ثمانية أطقم قطارات تعتبر الأحدث على مستوى العالم، وهي تتميز بالرفاهية والفخامة. هل يعقل دول مجاورة لنا بنت قطارات معلقة، وسرعتها هائلة مستخدمة احدث التقنيات، فهل يبدو الأمر مغرياً بالنسبة للركاب ان يمضوا داخل القطار ما يقارب ست ساعات؟ وثمانية قطارات بهذا المبلغ الضخم، في الواقع تستدعي التوقف والتريث والمساءلة، على أي أساس تم اعتماد توريد هذه العربات، وإن كنا بعد هذه السنوات، لم نتمكن من تحويل قطار الرياضالدمام إلى قطار سريع أو مترو، فمتى سنحلم؟ هل ننتظر قطار الغرب والشرق، أو الشمال والجنوب، وإن كانت مسافة قريبة جداً استنزفت مبالغ مالية ضخمة، فكم نتوقع أن تلتهم بقية مشروعات سكة الحديد في السعودية؟ الحديث الذي أدلى به رئيس سكة الحديد غير مغرٍ لشركات استثمارية للدخول كشركاء او مساهمين، ربما يكون مغرياً للتشغيل، فالمؤسسة تدفع بسخاء لأي مشتريات أو تنفيذ أعمال، رغم ان عدد ركابها السنوي لا يزيد على مليون راكب فقط، وايراداتها فقط 49 مليون ريال، أما ايراداتها من الشحن فقد تجاوزت 195 مليون ريال العام الماضي، اذا افترضنا ان دخلها السنوي يصل الى نحو 250 مليون ريال، بالتأكيد يذهب معظمها مرتبات للموظفين وتكاليف تشغيل المحطات ومصاريف أخرى، فهو مشروع غير ناجح وغير فعال، اذا كنا سننفق 900 مليون ريال في عربات، و600 مليون في عمل شبك على طول الطريق، وفوق كل هذا لا يسير القطار إلا بسرعة 80 كيلو متراً، ولا يصل عدد الركاب سوى مليون فقط، هل يعد هذا شيئاً مغرياً للاستمرار؟ خطوات سكة الحديد التطويرية بطيئة جداً، وتدعو للتساؤل عن السبب في عدم تطويره او تحسينه، رغم حرص الدولة على ابقائه كرمز تذكاري خلال ال 80 عاماً الماضية، وكنا نتمنى ان تنجح مؤسسة الحديد في تقديمه في شكل استثماري ناجح لتمهيده وتحويله الى قطاع خاص، مثل المؤسسات الأخرى التي تعتزم الجهات الحكومية تحويلها للقطاع الخاص، للأسف الشديد كنا نأمل على الأقل أن تقدم لنا المؤسسة مؤسسات قادرة على تشغيل محطات القطار، أو تأهيلها للعمل في مشروعات قادمة، ولا أعلم كيف ستتمكن مؤسسات أهلية او شركات محلية من إدارة وتشغيل محطات سكة الحديد التي ستقام في البلاد خلال السنوات المقبلة، هذا يعني ان ادارتها ستذهب لشركات من الخارج، او لشركات محلية، ولكن إدارة ضعيفة نظراً لعدم وجود تجربة سابقة. اقترح الى جانب اهتمام مؤسسة سكة الحديد بمشروعاتها التي تتجاوز قيمتها اكثر من 20 بليون ريال، عليها ان تبدأ من الآن في طرح مشاريعها الإدارية، وأيضاً احتياجاتها الوظيفية والكوادر المطلوبة.