عند نقطة التفتيش الأخيرة في مطار دالاس القريب من واشنطن العاصمة، ينشغل الشرطي مدة 30 ثانية بالمزاح مع شاب سعودي بعدما أعطاه جواز سفره، ويسأله مبتسماً عن المكان الذي اشترى منه قميصه. وعلى رغم أن الشاب كان متوجهاً إلى ولاية جورجيا عبر مطار دالاس، الذي انطلقت منه إحدى الطائرات المختطفة صباح 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ألا أنه خضع لإجراءات تفتيشية روتينية كتلك التي خضع لها المسافرون الآخرون. هذا المشهد الذي يتكرر بأشكال مختلفة في أكثر من مطار أميركي، ربما يناقض الصورة السائدة في العالم العربي والسعودية تحديداً، التي تقول إن العرب والسعوديين الذين تورط 11 منهم في أحداث ايلول (سبتمبر)، يتعرضون لمضايقات من الأجهزة الأمنية في الولاياتالمتحدة ويخضعون لإجراءات تفتيشية إضافية في المطارات. ويقول سعوديون في الولاياتالمتحدة التقتهم «الحياة»: «إن تعاطي الأجهزة الأميركية مع السعوديين تحسن في شكل كبير جداً، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فصار التنقل بين المطارات أمراً في غاية السهولة». ووفقاً لتصريحات صحافية لمسؤولين في السفارة السعودية في واشنطن، فإن إحصاء عام 2007 قدر عدد الطلاب السعوديين في الولاياتالمتحدة ب 14 ألفاً، يرافقهم من عائلاتهم نحو 36 ألف فرد. ويتذكر بندر العتيبي الذي درس في أميركا لمدة خمسة أعوام انتهت في 2003 فترة ما بعد ايلول بقوله: «بعد الأحدث عاش العرب والسعوديون خصوصاً وضعاً بالغ السوء». ويضيف: «عدد كبير من أصدقائي السعوديين والعرب اعتقلتهم المباحث الفيدرالية (أف بي آي)، وحينما لم يعثروا على تهمة ضدهم تتعلق بالإرهاب، ورطوهم في قضايا تتعلق بقوانيين الهجرة». موضحاً: «حرصنا بعد الأحداث على البقاء في منازلنا وصرت أخشى الاحتكاك بالعرب، وغادرت أميركا والأوضاع لا تزال سيئة». لكن نايف الزهراني الذي يدرس في الولاياتالمتحدة منذ 2005 يقول: «إذا تجاوزنا إجراءات الدخول إلى الأراضي الأميركية التي تتراوح بين ساعة وخمس ساعات، فالأوضاع هنا جيدة جداً، ولم ألحظ أي سوء تعامل هنا لا من الأجهزة الأميركية، ولا من الشعب الأميركي». ويؤيده عبدالله الغامدي بقوله: «كنت أظن أن اسم قبيلتي سيسبب لي مشكلات هنا، باعتبار أن اثنين يحملان اسمي الأخير نفسه من منفذي تفجيرات ايلول». ويضيف: « لكن تنبؤاتي لم تصدق، وأنا موجود هنا في أميركا منذ عام ونصف العام، وزرت ولايات ومدناً كثيرة في الإجازات ولم أتعرض لمضايقات أبداً». ويتابع: «من المهم جداً أن تلتزم بالقوانيين هنا ولا تتغيب عن الدراسة أكثر من الحد الذي تسمح لك به الجامعة». من ناحيته، يعتقد مصدر يعمل في السفارة السعودية منذ أكثر من عشرة أعوام «أن أميركا بدأت تعود إلى ما كانت عليه في التسيعنات، ففي ذلك الوقت كانت جنة بالنسبة الى السعوديين الذين كانوا يحظون بمعاملة راقية جداً». وقال المصدر (تحتفظ «الحياة» باسمه بناء على طلبه): «الأوضاع هنا تتحسن يوماً بعد آخر، ولا يمكننا مقارنة تعامل الأجهزة الأميركية مع السعوديين اليوم، بما كانت عليه الحال حتى قبل ثلاثة أعوام». ويضيف: «من خلال عملنا لاحظنا أن معاملة السعوديين هنا تحسنت في شكل بالغ، ولا يتم توقيف أي مواطن، ألا بعد ثبوت تورطه في مخالفة ما تستدعي توقيفه بحسب القانون». وبتجاوز هذا، يرجو نحو 50 ألف سعودي يقيمون في أميركا لأغراض مختلفة، أن لا يستيقظوا ذات صباح على نبأ عمل إجرامي آخر يتورط فيه مسلم، فيصبحون مرة أخرى في موضع شبهة.