بعد أربع روايات، تستكشف سارة هول أرضاً جديدة وتأسر قارئها. سبعة قصص عن الحب والخيانة والخسارة والعنف في «اللامبالاة الجميلة» الصادرة عن «فابر»-بريطانيا. نص هول أنيق مضبوط لكنه أيضاً حسّي، جذّاب وغير مشغول. في «عطر اللحّام» تكتب عن أسرة سليسورالتي صُهرت من غضب الشمال القديم وسلالة الغجر ومثيري الفتنة. تحرّض الراوية الأسرة على مُزارع يضرب حصانه، فيكادون يقتلونه. تسترجع الكاتبة التقاتل العنيف حول أراضي الحدود السكوتلندية، مازجة اللغتين القديمة والعامية المعاصرة، ويحضر الخطر الحالي على طريق رئيسة حيث التقى الغزاة القادمون من الجنوب والشمال. في قصة أخرى تسافر الراوية وصديقها الى بلد إفريقي مزّقته الحرب لكنه حافظ على أصالته في غياب السيّاح. تسأله عما يزعجه حين يبدو نائياً، وتلحّ عندما يرفض البوح. يتشاجران ويتحوّل فجأة غريباً قربه عذاب. تترك المخيّم حيث أقاما في الغابة، وتتّجه نحو البحر وهي تبغي الهرب والمصالحة في آن. تخوض في «ممرّ الرمال» ليلاً ويغمرها شعور طائش كاذب بالمناعة ضد الخطر المتربّص مع تحوّلها «كلها لحماً، كلها رائحة». تفكر كيف دفعت صديقها الى إنهاء العلاقة، كأنها بدعوته الى مصارحتها «استحضرت من الفراغ وسيلة لتدمير كل شيء». يحتقر العاشقان في «اللامبالاة الجميلة» اضطراب الأصدقاء من الفارق الكبير في السن بينهما، لكن المرأة تتوقف عند ما أفسده الزمن والمرض في جسدها. تفصّل هول انتظار المرأة صديقها الشاب وتأمّلها جماله وهو يقترب من متعة اللقاء، و «النسيج الكثيف» للحم الطير الذي يتناوله في المطعم. وسط يقين التلاحم بينهما تفكر أنها «قرّبته منها جداً. مع ذلك بقي الكثير مما لا يحكى عنه». في «نهر نايتلونغ»، تنضم فتاة الى جماعة صيد المنك في أوج الشتاء القاسي لكي تخيط من فروه معطفاً لصديقتها المريضة. تسود الطبيعة خلال الرحلة بتناقضاتها النفسية الجمالية، وتعارض هول الثلج بالدم، والفرو بالتوت. تدرك الفتاة وسط البؤر والجبال الممتدة أمام عينيها بقاء «العالم الصلب الذي نجد أنفسنا عليه، والذي نحكم فيه، نحن الذئاب، نحن الأسود». في «الوكالة» تحتاج زوجة ضجرة الى الإثارة في علاقة باتت «بلا رائحة، بلا دم». تلجأ الى منظمة تؤجّر العشاق، وتشبع رغباتها التي تتطوّر نحو العنف وتترك آثاراً على جسدها تهدّد باكتشاف الزوج مغامراتها. جوارب ممزّقة، ندوب على المعصمين حيث تربط بالحبال، وأخرى تمتد على طول عظم الردفين. تشكو الشخصيات الانفصال وهي تبحث عن خلاصها. امرأة معنّفة تلجأ الى مأوى في مدينة أخرى وتتساءل ما إذا كانت لا تزال تحب زوجها. «قد لا يكون قلبك قام بسفر موفق وهو مقفل في فجوته، راجفاً ناخراً أضلع قفص الصدر خلال الرحلة». التعبير كثيف حسّي، ففي الغابة والشاطئ كان «الهواء ثقيلاً، معطّراً بالخضرة، ونداءات الطيور مرتفعة ودسمة». يتحوّل الهواء «شرهاً» في السماء السكندينافية الواسعة الممتدة فوق بحيرة تشع هدوءاً غريباً، مخيفاً. أم من الجنوب نجمة جديدة في الأدب الأميركي لا تخشى تسمية الأشياء بأسمائها ككل أصحاب القضايا. رواية جزمين وورد الثانية «أنقذ العظام» الصادرة في بريطانيا عن دار بلومزبري، تستخدم إعصار كاترينا مجازاًً لحال بطلتها الداخلية. تستهل الكاتبة الشابة روايتها بمشهد مراهقة حامل تراقب كلبة شقيقها وهي تضع صغارها. تشمئز الفتاة، والقارئ معها، من كثرة الدم والسوائل والأوساخ والتقلصات، فيما يستعد الوالد لتحصين المنزل المتصدّع في «بوا سوفاج» الخيالية في ميسيسيبي، من الإعصار المقبل. تفكر الطفلة بوالدتها المتوفاة حديثاً خلال وضعها آخر أبنائها جونيور، وحال جسدها المتغيّر الذي يلتبس عليها. تضيف مطالعتها «ميديا»، المفروضة مدرسياً، وموت الكلاب المواليد الى ثقلها النفسي وقتام روحها. نشطت إش جنسياً مع أصدقاء شقيقيها مذ كانت في الثانية عشرة، لأن القبول بدا لها أسهل من الرفض. لكنها لم تحب أحداً قبل ماني، والد طفلها، الذي عكس جلده الضوء. فكرت أن شعور ميديا، قاتلة أطفالها، نحو جيسون ماثل الحب الذي أحرق صدرها وجعل دمها يغلي. لكن ماني نام معها من دون عاطفة، وساكن صديقته، وأذلّها برفضه. عاشت الأسرة في أرض خربة ورثتها الأم عن أهلها الذين سمحوا لأصحاب السيارات شبه الصالحة بركنها فيها. سرح الدجاج في الأرض التي لقّبت ب «الحفرة» وتوحّش، وزاغ جونيور يحفر حول البيت بحثاً عما يأكله. أدمن الوالد على الكحول، وجعله الشرب غضوباً ولئيماً. قنّن الطعام، وسعدت الأسرة بسنجاب مشوي تناولته مع خبز مسروق. استيقظوا ليلاً لشدّة اتساخ أغطية الأسِرّة التي أصابتهم بحكاك، وعانوا ككل سكان المحلة من القوارض والطعام الفاسد والماء الوسخ ونباح الكلاب الدائم. كان قتال الكلاب العنيف في الغابة القريبة الجميلة من هوايات فتيان «بوا سوفاج». ووسط الفقر والعنف، يلعب راندال، الشقيق الأكبر، كرة السلة ويحلم بمكتشف مواهب ومنحة جامعية. يهتم سكيتا بكلبته بيتبول، علّه يبيع صغارها، لكن هذه تموت قبل وصول الإعصار، الذي يُلزِمهم البيت مزودين بالقليل في صراعهم للبقاء. كانت وورد تزور أهلها في ميسيسيبي عندما هجم كاترينا، ورصدت في روايتها تفاصيل الغضب والدمار والكفاح واليأس والأمل. لكن العاصفة تبني أيضاً، وتغيّر إش، النافرة من أمومتها. تتراجع الغنائية الشعرية لمصلحة الواقعية مع بدء الإعصار، وتلفت طراوة التعبير وعضويته. يد الوالد مثل الحصى، ويدها «تنزلق في قبضته مثل سمكة مبلّلة». دم شقيقها «رائحته رائحة الأرض الرطبة الحارة بعد مطر الصيف (...) جلد رأسه يبدو كالتراب الطازج المقلوب». وورد هي الكاتبة الثانية المغمورة التي تنال جائزة الكتاب الوطنية في عامين متتاليين. كان يكفي أن يقرأ عمل الشابة السوداء الجميلة نقاد عادلون ليدفعوه الى الصدارة ويمنحوه الفرصة. في البدء كان العسل خالفت التقليد وكانت كاتبة المسرح البريطانية الأولى من الطبقة العاملة. شيلاغ ديليني التي رحلت أخيراً عن واحد وسبعين عاماً، كسرت سيطرة الرجال من الطبقة الوسطى على المسرح في بريطانيا ب «مذاق العسل». لم يلخّص هذا مسيرتها، إذ بقيت باكورتها أهم أعمالها وضمّتها الى الكتّاب الذين وقعوا ضحية لعنة الإنجاز الأول. كانت في الثامنة عشرة عندما شاهدت «تنويعات على موضوع» لتيرنس راتيغان في «أوبرا هاوس» في مانشستر وخرجت من المسرح أكيدة أنها تستطيع كتابة مسرحية أفضل منها. كرهت افتقارها الى الحساسية في مقاربة المثلية، وبعد نحو أسبوعين، كانت «مذاق العسل» جاهزة لاقتحام عالم المسرح الغافل. أرسلت المخطوطة الى جون ليتلوود التي حوّلت «ثياتر رويال» في ستراتفورد إيست مختبراً للدراما الجديدة، وكانت ولادة نجمة. تحدّت ديليني المحرّمات حين كتبت عن فتاة نارية الطبع تهملها والدتها العابثة، فتنام مع بحّار نيجيري عابر وتحمل منه. تجد نفسها وحيدة، إلى أن يساعدها طالب فن أنثوي على الاهتمام بطفلها. فوجئت الكاتبة بنجاح باهر حَمَلَ المسرحية الى خشبات لندن ونيويورك، وحوّلها فيلماً نال جوائز عدة. لم يكن نصّاً كاملاً فنياًً، ولئن أحبت ليتلوود الحوار الحار رأت أن العقدة والكثير من المشاهد في حاجة الى تطوير. أتت المخرجة بآفيس بانيج المعروفة ببراعتها في مخاطبة الجمهور، واستعانت بالطبول والغيتار والأبواق والساكسوفون لتعبئة المناخ. رأى الناقد الشهير كينيث تينان الكثير من السمات الخام في عمل ديليني، ولكن أيضاً، وهذا الأهم، «رائحة العيش». كان لدى الشابة كل الوقت، قال، لكي تقلق في شأن الشكل، الذي عنى شيئاً، ومفاهيم مثل البذاءة التي لم تفعل. نصحت المخرجة الريفية الصغيرة بقراءة مسرحية رفيعة لإبسن مثلاً، وتحليلها والانتباه الى البناء. لم تهتم، وتراجعت مع عملها الثاني «الأسد العاشق» الذي قوبل بلامبالاة. اقتنعت بأن المسرح لم يعكس حياة أغلبية الناس العاديين، وألهمتها حيوية بلدة سافورد حيث عاشت. «اللغة حيّة (...) إنها تعيش وتتنفس وتمكن معرفة مصدرها فوراً. من الأرض نفسها. إنها رومنطيقية حتى على النهر، إذا استطعت تحمّل الرائحة». باتت من رواد الواقعية التي عرفت ب «مجلى المطبخ» وتسلّلت الى الذاكرة الفنية. ذكر موريسي أعمالها في أغانيه، وظهرت على غلاف ألبوم «أعلى من صوت القنابل» لفرقة «ذا سميثز»، وغنّت «ذا بيتلز» من وحي فيلم «مذاق العسل». تحوّلت من المسرح الى القصة والإذاعة، وكتبت سيناريوهات جيدة عدة للسينما منها «تشارلي بابلز» التي أخرجها ومثّل فيها ألبرت فيني. كان من سافورد مثلها، ولعب دور كاتب تبعده الشهرة من الواقع. يغمره حنين الى الجذور فيعود الى بلدته الشمالية وينزل في فندق يسأله نادل فيه: «ألا تزال تعمل يا سيدي أو أنك تكتب فقط الآن؟»