ما يحدث في مجلس الوزراء المصري وما حدث في التحرير بعد 18 تشرين الثاني (نوفمبر) قبل بدء الانتخابات مبرر للقوى المتربصة بمصر للتحول من الحالة الديموقراطية التي نعيشها إلى حالة فوضى عارمة لا يعلم مداها إلا الله، فحرق المنشآت الحكومية ليس من عمل ثوار يناير ولكنه من عمل أناس يرفضون إعادة بناء مصر ويعبرون عن حنقهم من فشلها في الانتخابات. الثورة بدأت سلمية وانتهت سلمية وتم فيها إسقاط الطاغية وتمهيد الطريق لاستقبال عرس الديموقراطية. طالما أن المجلس العسكري يفي بعهده بتحقيق انتخابات حرة ونزيهة فكل صغيرة تهون من أجل التحول الديموقراطي الذي في ظله يمكننا أن نحقق كل أهداف الثورة الأخرى، مثل تطهير البلاد من الفاسدين ومحاكمة قتلة الثوار وتحقيق العدالة الاجتماعية، المبرر الذي يقدمه الثوريون في التحرير للتعدي على المجلس العسكري بأن المجلس العسكري فشل في إدارة البلاد هم محقون فيه لأن أعضاء المجلس لا يملكون رؤية إصلاحية متكاملة للمجتمع، فهم مبعدون عن العمل السياسي بحكم تكوينهم العسكري، لذلك أملي في انتخابات مجلس الشعب الحالية أنها ستأتي بمن يمثل هذا الشعب ومن يعيد إليه حقوقه ويحاكم الفاسدين، لذلك أدعو إلى الصبر على المجلس العسكري حتى يفي بوعده بتسليم الحكم لحكومة منتخبة من الشعب المصري، فإن لم يف بعهده سأكون أول من يثور عليه بل سأدعو إلى الثورة عليه، وعندما طرحت وثيقة السلمي وهي محاولة للالتفاف على التحول الديموقراطي قام الشعب كله للاعتراض عليها وسقطت الوثيقة وعادت البوصلة الى الاتجاه الصحيح، وإن عادوا عدنا. ما نشر من صور بشعة لفتاة التحرير وحريق المجلس العلمي يؤكد أن هناك من يريد جر مصر إلى حريق كبير وبعض الشباب ينجرون خلفه بحماسة أعمى خالٍ من العقل والرؤية السليمة، لا أعرف ماذا كان يمكن أن يحدث لو لم يوقف المجلس العسكري هؤلاء الذين أحرقوا المجمع العلمي ومحاولة احراق مجلس الشعب، ما سينقذ مصر هو الطريق الديموقراطي الذي لا يريده بعضهم وعلى رأسه أميركا وإسرائيل وأذنابهم المرتزقة ومن المهددين بفقد مناصبهم ومصالحهم التي حصلوا عليها في ظل الفساد الاستبدادي البائد. أن محرك التظاهرات في التحرير ومجلس الوزراء هم اشتراكيون ثوريون سواء كانت حركة 6 نيسان (أبريل) أو حركة الاشتراكيين الثوريين فهؤلاء لا يؤمنون أصلاً بالديموقراطية ولا بالانتخابات ويعولون على الانقلاب الثوري الشعبي فقط ويتبنون آلية تهدف إلى إحداث فوضى يتبعها رد فعل عنيف من المجلس العسكري تستخدم فيه صور العنف لاستعطاف الشعب المصري كمحاولة لاستنساخ الحالة التي كان عليها الشعب المصري تجاه العنف والفظاعة التي تم بها قتل خالد سعيد وبالتالي حالة ثورية أخرى ولكن لن تكون سلمية بل تتخللها حرائق كبيرة كحريق المجلس العلمي، الأمر الذي يعمل على إجهاض الحالة الديموقراطية التي يعيشها الشعب المصري وتحويل اتجاه الثورة إلى حالة أخرى لا يعلم مداها إلا الله، وهم يرفضون الانتخابات كآلية للتغيير والدليل على ذلك أنهم لم يشاركوا في هذه الانتخابات ولم ينجح سوى عدد قليل من الماركسيين من الذين دخلوا تحت مظلة تحالف الكتلة المصرية.هذه الهزيمة أفقدتهم صوابهم، وهذا ما دعاهم إلى نبذ الآلية الديموقراطية والتعويل على العنف والفوضى، واستغرب ظهورهم في هذا الوقت الذي بدأنا في بناء مؤسسات الدولة على أسس ديموقراطية، ولو كانوا على حق لتبعهم الشعب المصري كله، فما زالت الحالة الثورية تتلبسه، ولكن هذا لم يحدث وما زالوا قلة ولهذا استعانوا بفرق البلطجية وأطفال الشوارع وبعض الذين تغلبت عواطفهم على عقولهم. ولا أستبعد أن يكون هناك متربص من الداخل أو من العسكر أو من الخارج ينتظر حدوث هذه الفوضى للانقلاب على حكم الشعب أو احتلال مصر. لهذا لم أذهب إلى التحرير.