تتوقع مصادر وزارية أن يصبح قرار مجلس الوزراء زيادة الأجور والذي صوّت عليه خلافاً لاتفاق أرباب العمل مع الاتحاد العمالي العام، «بلا أب وأم» مع مطلع العام الجديد، على رغم أنه قرار يستند الى مشروع وزير العمل شربل نحاس باسم «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي بزعامة العماد ميشال عون. وتشير هذه المصادر الى أن قرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عدم التوقيع على القرار ليصبح نافذاً، وقرار الهيئات الاقتصادية رفض تطبيقه وإعلانها أنها ستطبق فقط خطة تصحيح الأجور التي اتفقت عليها مع ممثلي العمال وبتأييد من ميقاتي، ثم القرار الذي أكد غير مصدر وزاري وقضائي أنه سيصدر بنقص قانونية ما صوتت عليه أكثرية مجلس الوزراء بحجة عدم جواز تدخل الحكومة لإحباط اتفاق أرباب العمل والعمال، كلها عوامل تؤدي الى اعتبار التصويت الذي حصل في مجلس الوزراء على مشروع الوزير نحاس لاغياً، عملياً. إلا أن ما أضيف في الأيام القليلة الماضية على هذه العوامل التي تلغي مفاعيل تصويت تحالف عون و «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري (ومعهم وزير الداخلية مروان شربل) مع مشروع وزير العمل، ضد المشروع الذي دعمه ميقاتي هو أن حتى العماد عون تخلى عن أبوّته لمشروع الوزير نحاس. وتقول مصادر وزارية في الأكثرية في هذا المجال إنه حين فاتح أحد الوزراء الحلفاء عون بأن قرار رفع الحد الأدنى للأجور الى 868 ألف ليرة لبنانية، وجرى دمج بدلات النقل بعد زيادتها، والتقديمات المدرسية في صلب الراتب... الخ يسبب ضرراً للوضع الاقتصادي الذي لا تحتمل دورته في هذه الظروف قرارات من هذا النوع، رد على محدثيه بالقول: «نحن ندرك أن القرار المتخذ يضر بالاقتصاد، وأنه قرار يصعب تطبيقه وفوق ما يحتمله أرباب العمل ونوافقكم الرأي بأنه جرى التسرع به... ولكننا صوتنا معه بهدف وحيد هو إفهام رئيس الحكومة أننا نستطيع كسر توجهاته وأن عليه الأخذ برأينا». وترى المصادر الوزارية أنه فضلاً عن تخلي عون عن أبوّته لقرار مجلس الوزراء، في شكل يؤدي الى اعتماد الاتفاق بين أرباب العمل والعمال الذي أيده ميقاتي ووزراء النائب وليد جنبلاط وأحد الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية (سمير مقبل في وقت كان ناظم الخوري غائباً عن الجلسة)، فإن وزراء «حزب الله» أنفسهم أقروا في نقاشات مع زملاء لهم (وكذلك وزراء حركة «أمل») بأن مشروع الوزير نحاس غير قابل للتطبيق لأسباب اقتصادية، وأن التصويت الى جانبه جرى فقط إرضاء للعماد عون ولتثبيت التحالف معه بعدما تذمر من عدم تأييده في عدد من القرارات في مجلس الوزراء. وهذا يعني وفق المصادر الوزارية أن «حزب الله» بدوره لن يتسبب بمشكلة جراء العودة عن التصويت على قرار زيادة الأجور وفق مشروع الوزير شربل نحاس. إلا أن هذا لم يمنع وزراء في الأكثرية من مناقشة وزراء «حزب الله» بعدم انسجام موقفهم مع المصلحة العليا في البلد حيث غلب الحزب الرغبة في كسر توجه ميقاتي على المصلحة العليا في عدم التسبب بمزيد من التأزم الاقتصادي في البلد. وتشير المصادر الوزارية الى أن قيادة «حزب الله» تقر في مناقشاتها مع شركائها الآخرين في الأكثرية بالانعكاس السلبي لما حصل على الحزب نفسه لجهة طريقة إدارته علاقته مع حلفائه. إلا أن «موقعة» تصحيح الأجور، في المواجهة بين عون وميقاتي لن تقف عند هذه الحدود وفق توقعات المصادر الوزارية إياها. وإذا كان الهدف من التصويت ضد مشروع دعمه ميقاتي توجيه رسالة إليه بوجوب الإقلاع عن معاكسة مطالب العماد عون، أو الانتقام من قراره إحراج عون و «حزب الله» عبر إصراره على تمويل المحكمة الدولية في شكل اضطرهما الى العودة عن رفضهما لهذا التمويل، فإن ميقاتي لن يتراجع عن مواقفه حيال مطالب عون، المدعومة من الحزب في مسائل عدة مطلوب منه مراعاتها سواء في التعيينات أو مسألة شهود الزور. بل إن أوساطاً قريبة من ميقاتي تعطي أبعاداً سياسية جوهرية للخلاف مع توجهات عون، وتنقل هذه الأوساط عن ميقاتي قوله إنه على رغم إقراره بأن الوزراء الذين يمثلون عون في الحكومة يدرسون ملفاتهم من وجهة نظرهم في شكل جيد ويجيدون تحضيرها، فإنهم والعماد عون يتصرفون على أساس أن اتفاق الطائف غير موجود أو أنهم غير معنيين به ولا يقيمون وزناً للمشكلة التي يتسبب بها أي توجه أو ممارسة مناقضة له. وتضيف أوساط ميقاتي: «إنهم (العماد عون ووزراؤه) يتعاطون مع الأمور المطروحة على مجلس الوزراء وإدارة شؤون الدولة على أن العلم والمعرفة وقف عليهم والإصلاح لا يتم إلا وفق ما يرونه هم، ثم يتصرفون في ما يخص المواقع في الدولة على قاعدة أنا أو لا أحد وهذا مستحيل. فهل يعقل مثلاً أن يتدخلوا في صلاحية وضع جدول أعمال مجلس الوزراء وأن يتم تقزيم الإصلاح الى إقالة فلان أو فلان أو أن يجري الإصرار على تعيين فلان لرئاسة مجلس القضاء الأعلى من دون الأخذ في الاعتبار مراجع وزعامات أخرى في الطائفة المارونية؟». وتعتبر أوساط ميقاتي أنه باستثناء هذه الجوانب الثلاثة في منهجية عون يمكن التوافق معه، «لكن المشكلة أنه يعتبر نفسه الشريك الماروني الأساسي إن لم يكن الوحيد، وهو يعتبر أنه الرابح الأول نتيجة وضعه كل أوراقه لدى «حزب الله» الى درجة يعتبر معها أن تحالفه مع الحزب غير تحالفه مع رئيس البرلمان. واعتاد أن يعتمد على مراعاة الحزب له في كل شيء وهذا يدفعه الى رفع سقف مطالبه واثقاً من الاستعانة بقوة الحزب الى جانبه، على سائر الأطراف». وإذا كانت مقاربة ميقاتي هذه تدفع أوساطاً في الأكثرية الى توقع استمرار المواجهة بين رئيس الحكومة وبين بعض شركائه في الأكثرية، لا سيما العماد عون، مع مطلع العام الجديد، فإن مجريات هذه المواجهة لا تتوقف فقط على رئيس الحكومة، في ظل تلمّس بعضهم تصاعد الحملة من بعض قوى الأكثرية عليه نظراً الى كثرة الحديث عن الارتياب من تحركاته الخارجية. إذ إن غير مصدر في الأكثرية يتحدث عن تساؤل بعض المسؤولين السوريين حول الانفتاح الذي يمارسه رئيس الحكومة على عدد من العواصمالغربية، ومبادلته هذا الانفتاح من قبل بعض العواصم ومنها الدعوة التي وجهتها إليه باريس لزيارتها أواخر الشهر الطالع، في وقت تزيد هذه العواصم من إجراءات عزل دمشق. كما أن بعض أوساط الأكثرية يعتقد أن مخاوف «حزب الله» من مرحلة ما بعد تمويل ميقاتي للمحكمة، إذا كانت ستؤدي الى انفتاح غربي عليه تدفع الحزب الى إبقاء رئيس الحكومة تحت ضغط متواصل ورقابة مستمرة، وهو ما يفسر قيام بعض حلفاء الحزب بحملة عليه سواء تحت عنوان شهود الزور أو عنوان التعيينات.