تعود المحاولة الأولى لإحياء الخلافة أو استعادتها بعد سقوطها الأول العباسي/التتري، لتنصيب الظاهر بيبرس عام 657 هجرية، وبيعته خليفة في مجلس من العلماء والأشراف، ولكن الخليفة الأسود- كما كانت تلقبه العامة للونه- قتل بعد عام واحد في أول معركة خاضها لاسترداد بغداد قبل أن يدخلها، بعد أن جهز له بيبرس جيشاً تكلف- بحسب ابن كثير- ألف ألف دينار، استهدف بيبرس من ذلك التمكين لحكم المماليك (وهم غير أحرار لا تجوز توليتهم شرعاً)! وبعد سقوطها الأخير العثماني/ الأتاتوركي عام 1924 لفت دعوى إحياء الخلافة واستعادتها مختلف تيارات الإسلام السياسي والجهادي على السواء، فنشأت جماعة «الإخوان المسلمين» عام 1928 وحزب التحرير (عام 1953) كرد فعل على هذا السقوط. بالخلافة والخليفة جاء إعلان داعش الأخير في 29 حزيران (يونيو) حيث سمى أميره أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، وهو ما صعد به درجة في السلم الأيديولوجي والجهادي عن طالبان، فالأخيرة ظلت إمارة إسلامية يرأسها الملا عمر باعتباره أمير المؤمنين بعد أن بايعه أنصاره بذلك في 3 نيسان (أبريل) عام 1996، وكلاهما غائب مطارد ولا تعرفه أمته! لكن وبينما وقفت طالبان (تأسست 1994) عند الإمارة الأفغانية، التي اعتبرها القاعدة دار الإسلام، وأوجب على عناصره الهجرة إليها، توسع داعش (تأسس عام 2013) من الدولة إلى الخلافة الإسلامية، قبل أن يبلغ عمره عاماً ونصف. أكد إعلان داعش الصراع على قيادة الجهاد العالمي بعد أقل من شهرين على قطيعته مع القاعدة في أيار (مايو) الماضي، في تسجيله الصوتي «عذراً أمير القاعدة» الذي طعن فيه بشرعية الظواهري لجهة علاقته بإيران، كما أوجب عليه بيعة أميره البغدادي، كما سبق أن بايع أمير طالبان، وبعد إعلانه «الخلافة» أوجب على كل التنظيمات والفصائل الجهادية البيعة، وخاطبهم: «بطلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم. ولا يحل لأحد منكم يؤمن بالله أن يبيت ولا يدين بالولاء للخليفة». وهدد بشق رأس كل من يشق الصف. تباعاً وبعد يوم واحد جاءت بيعة تنظيم القاعدة في المغرب العربي لأمير «داعش»، ونشأ صراع بين الجهاديين في درنة الليبية، بعد مقتل أحد أنصاره وبيعته البغدادي، وكما يصر «داعش» على التمدد في سورية والعراق وفي بنى أنظمة فاشلة ومرفوضة شعبياً، تتمدد أيديولوجيا بدعوى الخلافة محتكرة الشرعية مما قد ينذر بحرب واسعة بين الجهاديين. الخلافة وسايكس بيكو قديم ربط داعش بين صعوده في 9 حزيران الماضي، وتمدده في أزمات الدول الفاشلة، واعداً بإسقاط حدود سايكس بيكو الاستعمارية، وتحقيق الوحدة الإسلامية عبر هلالها ودعوى الخلافة التوحيدية، وهنا لا بد من إيراد الملاحظات التالية: 1- لم تظهر هذه القضية إلا بعد اكتمال الدين وانقطاع الوحي مع رحيل النبي صلى الله عليه وسلم، فهي مسألة تاريخية وليست عقدية، وليست عند السنة أشرف مسائل الدين ولا من أشرفها كما يقول الإمام ابن تيمية (توفي 728 هجرية) في منهاج السنة، كما افترض قبله الإمام الجويني (توفي عام 457 هجرية)، خلو الزمان عن إمام، وعقلنها ابن خلدون حين فسر تاريخ الخلافة والدول بعوامل العصبية والتغلب. 2- بعد الفتنة الكبرى غدت الخلافة طرحاً لا جمعاً، وكرة ساخنة بين رحى التكفير والتعصب بين الفرق والطوائف، ومثلت الإمامة الفارق بين الفرق كما يقول عبد القاهر البغدادي المتوفى عام 429 هجرية بنفس العنوان. 3- منذ العصر العباسي الثاني لم يكن للخليفة غير الخطبة والسكة أغلب الأحيان، بينما السلطان لأمراء الجند، يعزلون من شاؤوا وينصبون من شاؤوا. 4- لم تكن الخلافة وحدة أو اتحاداً، كما هي الصورة المثالية الرائجة حولها، فبعد سقوط الأمويين نشأت خلافات منافسة أموية أندلسية وفاطمية مصرية، وتقاسم ولاياتها في ما بعد الأمراء والسلاطين، فيما يشبه سايكس- بيكو قديم من دون مؤامرة خارجية، وحارب صلاح الدين الصليبيين وحده من دون عون من خليفة، كما حارب خوارزم شاه وحده جنكيز خان والمغول حتى قتل من دون نظر منه، بل قيل بإيعاز منه في بعض الروايات. 5- وقعت سايكس بيكو عام 1916 والخلافة العثمانية قائمة ولم تمنعها. وترنحت قبل ذلك بعقود، وكان السقوط بعدها بسنوات. وحين كانت هذه الخلافة قائمة سقطت مصر في يد الاحتلال مرتين، الفرنسي عام 1798 والبريطاني عام 1882 كما سقطت الجزائر (1839) والهند (1857) وتركيا ذاتها (1919) بيد محتلين.