تعد هدى على أصابع يديها، تتجاوز العشرة. ثم تعود إلى العد بيدها اليمنى، وقبل أن تكمل أصابعها الخمسة، تتوقف لتقول: «يصعب عليَّ إحصاء عدد المرات التي تعرضت فيها إلى عنف جسدي من زوجي». وعلى رغم الآثار الظاهرة على جسدها، فإن هدى لم تفكر يوماً في تقديم شكوى ضد زوجها «فمن سيصدقني حينها؟!» بحسب قولها. بيد أن آلام الجسد، ليست هي ما تحز في نفس هدى (32 سنة)، فهي تخشى على مستقبل أطفالها الثلاثة، من أن «يرثوا سلوك والدهم، لكثرة ما يرونه يمارس العنف، سواءً معهم أو معي». لكن هذا الزوج «المتوحش» داخل المنزل، لا يبدو كذلك خارجه، فهو على حد قولها «يتعامل مع الناس باحترام كبير، ويصافحهم وكأنه قدوة في الأخلاق والأدب، ما يجعلني أرفض البوح عن كيفية معاملته لي، فلن يصدقني أحد، حتى أهلي». ويعود زوج هدى يومياً إلى المنزل، وفي وجهه «نظرات الاستحقار ودون وجود أسباب تجعله كذلك، إلا أن الكبرياء يلازمه دوماً، فهو موظف في قطاع مهم، وحاصل على شهادة جامعية، ويحصل على راتب عال. «فيما لم أُنهِ أنا المرحلة الثانوية»، وهو ينظر لي بدونية، ويقلل من شأني، وكثيراً ما يضربني وكأنه حاقد على نفسه، لأنني زوجة له». وكانت آخر وجبة عنف جسدي تلقتها هدى قبل شهرين، إثر عودته من السفر «شعرت أن في عيونه حقداً وغضباً كبيريْن، وكأنني عالة على قلبه، وأخشى أن تتراكم أحقاده وينهي حياتي في لحظة ما، فهو يضربني بشدة، لدرجة أن جسمي يمتلئ بالتورمات، وكأنه خريطة على جسدي، ومن دون خوف من حدوث خطر على حياتي». وإذا كان المُعنف في حال هدى هو زوجها، فإنه في حال جنى (ثماني سنوات) هو والدها. وتكشف معلمتها بعض فصول معاناتها، بعد أن عملت لأشهر على معالجتها، فيما رفضت الأسرة تدخل لجنة الحماية الاجتماعية. تسرد المعلمة ل «الحياة»، قصة جنى، التي «لوحظ عليها أثناء طابور الصباح، أنها تعاني من ارتجاف شديد، حتى سقطت على الأرض، وتبين أنها تعرضت إلى الضرب من والدها، والسبب عصبيته الزائدة فقط، لأنني تواصلت مع الأم، لمعرفة أسباب الكدمات التي تبدو واضحة على وجهها، وانعزالها، وعدم اختلاطها مع زميلاتها، ورفضها تناول الطعام خلال الفسحة المدرسية. وكأن الطفلة تشعر بذنب اقترفته، وذنبها هو أن والدها لا يعرف الرحمة. ويبدو أن أبوته معدومة». ويبدو أن آثار العنف تكون أكبر، عندما يصدر من الأم، فالطفل إبراهيم (تسع سنوات) أسير لعصبية والدته، التي تضربه بقوة وكأنه وسادة، بحسب قول خالة الطفل، التي تضيف أن «أختي عصبية، وتعيش ضغوطاً نفسية واجتماعية مع زوجها، وتفرغ كل طاقاتها السلبية في أبنائها. وإبراهيم هو أكثر إخوته حركة، لذا ينال النصيب الأكبر من العنف والإيذاء، لدرجة أنها قامت بضربه في إحدى المرات على عينيه وكان عمره يومها خمس سنوات، وتوقع الأطباء آنذاك أن يصاب بالعمى. وبقي قيد الملاحظة إلى حين زوال الخطر. وعلى رغم ذلك فإنها لم تعتبر»، متسائلة: «أي قانون سيحمي الأطفال من عنف الآباء، وأي قانون سيحمى المرأة من عنف الأزواج؟».