قال نائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي، المتهم قضائياً بقضايا إرهاب، إنه مستعد للمثول «أمام قضاء عراقي يتمتع بالاستقلالية عن تأثيرات السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية، وهو غير متاح حالياً في بغداد». وأضاف الهاشمي في حوار مع «الحياة» من مقر إقامته في دار ضيافة رئيس الجمهورية في السليمانية، أن «خسارته موقتة»، وقال إن «المالكي خسر إستراتيجياً جمهوراً عريضاً استفز كرامته»، ونفى نيته الاستقالة، لكنه قال إنه سيراجع منهجه ووضعه السياسي بعد ان يستعيد سمعته، وتساءل عما اذا كان المالكي «يتصور ان الهاشمي مقطوع الجذور؟ أم انه فوجئ برد الفعل» على الاتهامات. وقال إن على «التحالف الوطني» تقديم شخصية بديلة لرئاسة الحكومة، وإلا فإن الوضع السياسي سيتعرض لهزات أكثر عنفاً. وهنا نص الحوار: في ضوء الأزمة السياسية التي أعقبت صدور قرار الاعتقال بحقك، هل هناك بوادر لحل الأزمة، وكيف ستتعامل مع جانبين من القضية أحدهما قانوني والثاني سياسي؟ - لا أدري ما إذا كانت اللقاءات المكثفة لمختلف القادة السياسيين والمبادرات التي انطلقت من مصادر عدة، يمكن أن نسميها بوادر حل الأزمة. بالنسبة إلى الاتهام الموجه ضدي، الحل يكمن في المثول أمام قضاء عراقي يتمتع بالاستقلالية عن تأثيرات السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية، وهو غير متاح حالياً في بغداد، وبالتالي لا بد من نقل القضية خارجها، أما الحل السياسي فينبغي في تصوري ان يخرج من رحم التحالف الوطني ليجري بعد ذلك تعديله وتحسينه بالتشاور مع بقية الائتلافات حتى يكتسب التوافق الوطني المطلوب. على المستوى القانوني، هل تعد الاعترافات المعروضة لأفراد حمايتك دليلاً معتبراً وكيف تقومون آليات التحقيق؟ - أجواء التحقيق مع حمايتي لم تكن شفافة وتم انتزاع الاعترافات بالإكراه، وبالتالي فإن الدستور والقانون يهدر هذه الاعترافات ويعدها غير معتبره قانوناً، ونحن طالبنا بنقل الدعوى إلى اقليم كردستان لهذه الأسباب. وهناك منظمات دولية ونقابة المحامين لديها شكاوى من الأجهزة الأمنية بصورة عامة والأجهزة التحقيقية داخل المنطقة الخضراء بشكل خاص. التحقيق يجري في مقرات هذه الأجهزة حيث ينتقل القاضي إلى هذه المقرات، فيكون المتهم تحت سطوة الأجهزة ولا يعد نفسه أمام صرح العدالة. سياسياً، هناك مبادرات مطروحة يبدو أن بعضها يركز على اعادة التوافق في ظل المنظومة الحالية للسلطة، والآخر يسعى إلى تغيير المنظومة السابقة، كيف ترى طرق الخروج من الأزمة؟ - هناك قله تروج لذلك وغالبية تروج لنقيضه وتطالب بالتغيير، وإلا سيتعرض البلد والعملية السياسية إلى هزات مماثله في المستقبل، وهو ما ينبغي تجنبه مبكراً، والفرصة الآن باتت سانحة ولا ينبغي تضييعها بالقفز على أصل المشكلة والتغاضي عنها وهي (المشاركة الوطنية) ومنع (استقطاب السلطة) وتكريس المعايير الديموقراطية وإحلال مفهوم دولة المواطَنة بدل دولة المكونات. اتهام سياسي قلت إن الاتهام سياسي بامتياز، فهل تفصل مقاصد الاتهام السياسي؟ - الاستهداف جاء حصراً، كوني معارضاً سياسة المالكي، وبسبب منهجي في التصدي للظلم والفساد وسوء الإدارة الطائفية السياسية. عدا ذلك، ليس بيني وبين المالكي أو حكومته أي خلاف آخر. هناك من يقول إن الاتهام جاء بضوء أخضر اميركي؟ - لا أعتقد ذلك، وليس لدي معلومات تؤكد تورط الأميركيين في مثل هذه الحماقة. أما لماذا الاتهام الآن، خصوصاً ان المالكي يرصد منذ فترة بل سنوات، كما يقول، أنشطة مشبوهة، فهذا ما يمكن ان يجيب عنه المالكي شخصياً. ربما ضلله البعض عن وجود محاولة انقلابية وشيكة، ما دفعه لخلق هذه الأزمة في إطار ضربة استباقية، ربما. لكن المالكي أكد أنه يحتفظ بملفات إرهابية مماثلة تدين حمايات وسياسيين آخرين؟ - المالكي يقدم بنفسه دليلاً على طريقته في ابتزاز السياسيين. وهذا التصريح تستُّرٌ فاضح يضع المالكي تحت طائلة المسؤولية الجنائية. ربطت الاتهام ايضاً بعناصر اقليمية، كإيران وسورية، هل قصدت أنكم في «العراقية» تدفعون ثمن الموقف من الأزمة السورية؟ إذا صح هذا، فهل الاتهام تلويح أم خطوة استباقية؟ - لا... هي أزمة من عيار ثقيل، وإذا كان البعض يعتبرها ضربه استباقية فلا بد أن يكون هناك فعل من جانبنا في الطريق، وهو غير موجود أصلاً، إلا ربما في مخيلات مريضة او مضللة. بعض الأطراف أخذ عليكم عدم البقاء في بغداد لمواجهة الاتهامات، كيف تردّون؟ - غادرت بغداد الأحد 17/12/2011 بصحبة زميلي خضير الخزاعي وعلى الطائرة نفسها إلى السليمانية بدعوة من الرئيس طالباني للاجتماع به هناك، ولم يكن في حينه قد صدر أمر القبض. صرحت في جميع اللقاءات أن قراري هو البقاء في العراق والاستعداد للمثول أمام قضاء عادل ومستقل أنا أطالب به، من اجل الدفاع عن سمعتي وشرفي اللذين تضررا بفعل نشر اعترافات مفبركة، وستثبت الأيام براءتي منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب. بالنسبة إليّ سأستعيد سمعتي وأصون شرفي وأؤكد صدقيتي والتزامي الحازم بالسلام، لذا خسارتي موقتة وسوف أتداركها، لكن المالكي خسر إستراتيجياً جمهوراً عريضاً استفز كرامته في الإساءة إلى شخصية تحمل رمزية معروفة وتحظى بالاحترام والتقدير. ترويج اعلامي لكن رئيس الوزراء ينفي الربط بين الاتهام وأيِّ قضايا مذهبية، بل إنه يتحدث في المقابل عن أنكم تحاولون الدفع باتجاه تصعيد الأزمة طائفياً لمنع استكمال التحقيقات؟ - من خلق الأزمة وروج لها إعلامياً بأسلوب التشهير الرخيص، كان يدرك ابتداء تداعياتها سياسياً واجتماعياً، والذي استهدف الهاشمي كان ينبغي ان يحتسب ردود فعل جمهور عريض له مشاعره وأحاسيسه. هناك العشرات من أوامر القبض صدرت بحق قيادات دينية وعسكرية وسياسية المالكي لا يتجرأ حتى على ذكرها وتفعيلها، والسبب تَحَسُّبه من ردود الأفعال أو الحسابات السياسية، على رغم ان بعض التهم ثابتة ومؤكدة. وأسأل هنا: لماذا تصرف مع الهاشمي بهذه الطريقة على رغم ان التحقيق لا يزال في بداياته؟ هل كان يتصور ان الهاشمي مقطوع الجذور وأنه وحده يصارع الباطل والظلم والفساد وسوء الإدارة؟ أم أنه فوجئ برد الفعل؟ بالإشارة إلى رد الفعل، هل أجريتم اتصالات مع أطراف خارجية إقليمية أو دولية حول الأزمة؟ هل لمستم مواقف واضحة؟ - لم أتصل بأي طرف خارجي إطلاقاً، بل تسلمت نداءات تعاطف ودعم وتأييد. لن أدوّل القضية طالما في النية توفير محاكمة عادلة ومستقلة داخل العراق. لكن المالكي دعا إلى توفير محاكمة عادلة؟ - كنت أتمنى ان يقرن المالكي القول بالعمل، لكنه لا يفعل ذلك، وهناك بون شاسع بين ما يقول وما يفعل على ارض الواقع، والعراقيون جميعاً يدركون ذلك، بدليل ما فعل في الأزمة الأخيرة، فعلى رغم نشر الاعترافات غير الجائزة قانوناً وممانعة مجلس القضاء، فإن المالكي لم يتوان عن نشر هذا الغسيل الوسخ أمام الرأي العام في الداخل والخارج، لا لشيء سوى لإشباع نوازع نفسه في إلحاق أكبر قدر ممكن من الأذى بسمعة الهاشمي، لا أكثر ولا اقل. جزاه الله على فعلته بما يستحق. قلت في تصريح إن رافع العيساوي وزير المال سيتعرض بدوره إلى اتهامات مشابهة. كيف تؤكد مثل هذه الأنباء؟ - هذا ما أعلن المالكي وهدّد به، وهذا تأكيد من جانبه على تسييس الاتهامات. هذا التصرف مدان، لأن المالكي يعتبر في هذه الحالة متستراً على جرائم يعتبر فيها شريكاً من الزاوية القانونية البحتة. أعتقد ان جميع المعارضين لسياسة المالكي ونهجه وأينما كان موقعهم، باتوا مهدَّدين بالفقرة 4-ب من قانون الإرهاب. هل للاتهامات علاقة بالتوجهات إلى إعلان الأقاليم في بعض المحافظات؟ - ربما، لكن مهما كان الدافع لإحداث هذه الأزمة، فإن تحول المحافظة إلى إقليم حق كفله الدستور وتقرره الإدارة الشعبية في المحافظات. وفي تصوري، سيدفع الاستهداف السياسي الذي حصل باتجاه المزيد من الدعم والتأييد الشعبي لهذا التحول. يتداول الوسط السياسي سراً وعلناً اليوم، علاقات مجموعة من قادة «العراقية» بمجموعات مسلحة، فيربط اسم الهاشمي والعيساوي بمجموعات مثل «الجيش الإسلامي» و «حماس العراق»، ويربط اسم صالح المطلك بمجموعات اخرى؟ - هذا مجرد كلام ينقصه الدليل والبرهان، لقد اخترت ابتداء سبيل العملية السياسية السلمية، لكني احترمت خيار المقاومة المسلحة، وموقفي في هذه المسألة معروف للقاصي والداني. هل في نيتك تقديم الاستقالة؟ وفي حال كان لديك مثل هذا الخيار، هل يكون قبل اكتمال قضية الاتهامات التي أثيرت أخيراً ام بعدها؟ - الأسبقية لدحض الاتهامات الباطلة واستعادة سمعتي التي حاول البعض النيل منها، وبعد ذلك لا بد من مراجعة وضعي السياسي ومنهجي للسنوات القادمة، وعموماً لا أجد مبرراً للاستقالة. طالبت «العراقية» بإبدال المالكي بالجعفري او عبد المهدي، كيف لمستم استجابة الاطراف في «التحالف الوطني» لهذا المطلب؟ - الأمر متروك للتحالف الوطني في اختيار شخصية مناسبة تؤمن بالشراكة وقبول الآخر، وإلا سيتعرض البلد إلى هزات سياسية مماثلة، وربما أكبر في المستقبل. كيف تقومون مواقف رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني والرئيس العراقي جلال طالباني من الأزمة؟ - موقف الزعيمين الكرديين الأستاذ جلال طالباني والأستاذ مسعود بارزاني متميز، وشجاع، وينم عن شعور عال بالمسؤولية ويحظى باحترام الشعب العراقي وتقديره.