الخرطوم - أ ف ب - يستعد المسيحيون في الخرطوم للاحتفال بأول عيد ميلاد منذ تقسيم السودان، في كنائس مهجورة بعد رحيل الذين كانوا يصلون فيها إلى جنوب السودان، وسط مشاعر الخوف من التعرض للخطف من قبل ميليشيات تبحث عن مقاتلين جدد. وقال رجل يفضل على غرار كثيرين مثله من المسيحيين السودانيين عدم كشف اسمه: «سنحتفل بعيد الميلاد كأهل من دون اولاد». وأحد المواضيع الأكثر حساسية يتمثل في عمليات خطف رجال لإرسالهم للقتال في المناطق الحدودية أو مع المتمردين في جنوب السودان. ومنذ الصيف تدور معارك بين الجيش السوداني والحلفاء السابقين للجنوبيين في المناطق الحدودية مع جنوب السودان المأهول خصوصاً بالسود والمسيحيين والذي انفصل في تموز (يوليو) الماضي بعد عقدين من الحرب الأهلية ضد الشمال المأهول بغالبية عربية ومسلمة. ورأى الناطق باسم جيش جنوب السودان فيليب اغيه أن نظام الخرطوم يجند بالقوة جنوبيين اختاروا البقاء في الخرطوم، وهي اتهامات تعذر الاتصال بالسلطات السودانية للحصول منها على تعليق في هذا الشأن. وأكد أنهم «يرسلونهم إلى معسكرات تدريب للقوات المسلحة السودانية» ثم يوزعونهم في المناطق الحدودية المضطربة او يلحقونهم بميليشيات المتمردين الذين يقاتلون السلطات في جنوب السودان. إلى ذلك، يخشى المسيحيون من عمليات خطف بهدف المال، إذ قام رجال بلباس مدني بخطف أحد رجال الدين مع شخصين آخرين لدى الخروج من اجتماع للصلاة. ثم أفرج عنهم بعد ثلاثة أيام مقابل فدية ألف دولار. لكن التحدي الأكبر أمام كنيسة الخرطوم يتمثل بالمقاعد الخاوية. فحسب الأممالمتحدة رحل 350 ألف جنوبي مقيمون في الشمال، معظمهم من المسيحيين، إلى جنوب السودان منذ تشرين الاول (أكتوبر) 2010. وقال الكاهن المسؤول عن الكاتدرائية الانغليكانية في الخرطوم سيلفستر توماس: «كل يوم أحد نصلي 10 أو 15 دقيقة من أجل الذين رحلوا... الأحد الماضي رحل أيضاً ستة اشخاص». حتى المقبرة تخلو شيئاً فشيئاً، إذ أن بعض المسيحيين يفضلون إعادة بقايا موتاهم إلى الجنوب، كما اكد الاب سيلفستر. وألغت الكاتدرائية بعض القداديس بعد أن كانت تكتظ بالمصلين سابقاً. والقداس الذي يقام بالانكليزية صباح الأحد لم يعد يشارك فيه أكثر من أربعة أو خمسة أشخاص، بينما لا يجذب القداس بالعربية سوى عشرات الأشخاص. كذلك الهبات التي كانت تساهم في تمويل تعليم الأطفال والعلاجات الطبية ودورات تدريبية للنساء تراجعت بنسبة 70 الى 90 في المئة. وأكد الكاهن: «لدينا مشاكل حتى لدفع أجور الذين يعملون معي». وفي كنيسة القديس متى الكاثوليكية المطلة على النيل الأزرق، فقد الاب جون دينغي 25 في المئة على الأقل من رعيته. لكن يوم الأحد امتلأت الكنيسة بثلاثمئة شخص لحضور القداس بالعربية. لكن غالبيتهم من الرجال، كما لفت الكاهن، لأنهم من الموظفين الجنوبيين الذين سرحوا من وظائفهم بعد التقسيم، وعندما سيتسلمون تعويضاتهم سيرحلون بدورهم إلى جنوب السودان. وعلى رغم كل شيء، فإن عيد الميلاد يبقى لحظة فرح. واكتظت الكاتدرائية الانغليكانية بالحضور وأحيت خلال عطلة الأسبوع الماضي حفلة الميلاد. ورفع بعض المصلين أذرعهم إلى السماء وهم يتمايلون على وقع الأغاني الأفريقية المبهجة. ووجه الكهنة في البلاد التي قسمت إلى قسمين أخيراً، دعوة إلى المصالحة. وقال الأب دينغي: «مع المصالحة تأتي العدالة ومعها السلام».