مرّت ذكرى الانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي انطلقت في 12/12/1987، من دون أن تلفت انتباه المحطات التلفزيونية العربية! مرَّت الذكرى صامتة، على رغم أن الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، تلك، يمكن أن تكون تجربة فلسطينية مبكرة، لمثيل ما شهده، عربياً، عام 2011، المُوشك على الرحيل. فعندما بدا الأفق منغلقاً أمام الفلسطينيين، وجدوا أنفسهم أمام خيار الانتفاضة/ الثورة، الشعبية، فانتهجوه. كان الفلسطينيون، يومها، بحاجة لشرارة ما ليأخذوا قصب المبادرة من «الفصائل»، التي أصابها شيء من التكلُّس، ومن «المنظمة»، التي وضعت نفسها في مأزق السياسات الرسمية العربية، وليُعلوا بالتالي من شأن الإرادة الشعبية، أولاً وتالياً. كانت تجربة مبكّرة في العالم العربي، سنراها تتكرّر، بعد ربع قرن، في غير بلد عربي. فشرارة بوعزيزي، دفعت الشعب التونسي ليأخذ قصب المبادرة من الأحزاب، والقوى، التي بدا أنها أعجز من تزعزع أيّ ركن من أركان نظام بن علي، وتلك كانت الفاتحة ل«عدوى» ستنتشر في غير شارع شعبي عربي، هنا وهناك، وتطيح بأنظمة كان يُظن أنها منيعة على التغيير. كان يليق بالتلفزيونات العربية، لولا أنها ذات ذاكرة قصيرة، أن تستعيد وقائعَ، وتستقي دروساً، من تلك الانتفاضة الشعبية، التي تبدو مُضمرة في كلّ ما نراه، عربياً، هذا العام. وهي، وإن كانت غير مُلهِمة في شكل مباشر، لما يجري اليوم عربياً، فعلى الأقل يمكن لها أن تكون نذير تحذير لما استتبعها. فالتحوّل الكبير الذي جرى في الواقع الفلسطيني، حينها، حصل في الشارع الشعبي، وبقوته، وإرادته، لا في الأروقة السياسية والديبلوماسية. والتحوّل الكبير ذاته، أُجهض في أروقة السياسة، قبل أن يتمّ تعميم الإجهاض، ونقله إلى الشارع، وصولاً إلى لحظة الانقسام الكبير، الذي لم يتردّد في أن يكون دموياً، أيضاً، ويستمر حتى اليوم. هل قلتُ انتفاضة؟.. وهل قلتُ إجهاضات متتالية، لم تنتهِ حتى اليوم؟ وهل ترى الفضائيات التلفزيونية العربية تعفَّفت عن استذكار وقائع تلك «الانتفاضة الشعبية»، حتى لا تُرمى بتهمة «بثّ الإحباط»، وقد شبعت اتهامات ب «التضليل»؟ أم أن تغاضي الفضائيات العربية، لا يعدو أن يكون مجرّد عَرَضٍ من أعراض قِصَر الذاكرة، ولهاث شاشة التلفزيون وراء الراهن واللحظي، من دون السعي للتأصيل، والتأسيس للمرجعية؟ لم يزعم أحدٌ، يوماً، أن ثمة انفصالاً ما بين النضال ضد الاحتلال، والنضال ضد الاستبداد. بل لطالما نظَّر كثر من مثقفي الأمة، إلى تلازم مساري: النضال الديموقراطي، والنضال الوطني القومي. وإذا كانت غالبية الثورات الشعبية، في «موسم الربيع العربي»، أخفت شعاراتها الوطنية القومية، لمصلحة شعارات التحوّل الديموقراطي والخبز والكرامة، فإن الأنظمة العربية، ذاتها، سعت (وتسعى) بدأب، إلى زجّ هذه التحركات الشعبية العربية، في إطار المؤامرة؛ المؤامرة ذات العلاقة بالمسألة الوطنية القومية! لم يكن مبرراً أن تغيب الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، في ذكراها السنوية، عن شاشات التلفزة العربية. على الأقل لأنها قدَّمت، في وقت ما، الدليلَ على أن للشعب كلمته الفصل، حينما يقوم.