باتت الدراما التلفزيونية تلاحق قضايا المجتمع الإشكالية، بعدما كان الأمر يقتصر على الأفلام السينمائية التي كانت تساير مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية... ومن القضايا التي شغلت الدراما أخيراً قضية البحث العلمي سواء من خلال عدد من البحوث التي يمكن أن تفيد المجتمع وتنقذه من كوارث محتملة، أو مطاردة الباحثين الموهوبين للاستحواذ على أبحاثهم بأي ثمن. ومن أبرز المسلسلات التي تدنو من هذه القضية مسلسل «جنة ونار» من إخرج محمد أبو سيف، عن قصة أحمد عثمان وسيناريو وحوار عادل حسين، وبطولة تيسير فهمي وشيرين ويوسف شعبان وإبراهيم يسري. ويتناول العمل «كيفية تعامل المجتمع مع البحث العلمي الذي لم يحصل على إمكانات لازمة أو اهتمام كافٍ، ما يعرض عدداً من العلماء إلى عمليات طرد مباشرة وجذب من الدول الأخرى»، بحسب الفنانة تيسير فهمي التي تجسد في الأحداث شخصية الدكتورة «رقية عبدالرحمن» من المركز القومي للبحوث، والتي تتوصل إلى اكتشاف علمي كبير لعلاج مرضى التهاب الكبد الوبائي «سي»، لكنها تتعرض لمطاردات خارجية لسرقة البحث. في المقابل يرصد مسلسل «اغتيال شمس» السلبيات التي تسببت في خلق أجواء معطلة للبحث العلمي في مصر، مثل الفساد الإداري والسياسي، ويكشف أن موازنة البحث العلمي في مصر أقل من موازنة ناد رياضي من الدرجة الثانية، كل هذا من خلال قصة عالم مصري يتعرض لمطاردات المافيا من أجل كشف سر اختراعه. المسلسل من إخراج مجدي أبو عميرة وتأليف محسن الجلاد وبطولة ياسر جلال وصفاء أبو السعود وسميحة أيوب ورزان مغربي وفراس إبراهيم وهنا شيحا. ويتناول مسلسل «رجل لهذا الزمان» (من إخراج إنعام محمد علي) قصة حياة الدكتور مصطفى مشرفة منذ مولده في 1898 حتى وفاته عام 1950. ومشرفة، بحسب مؤلف المسلسل محمد السيد عيد، «أحد القلائل الذين عرفوا سرّ تفتت الذرة، وبحوثه المتميزة في نظريات الكم والذرة والإشعاع والميكانيكا والديناميكا تقدر بنحو 15 بحثًا، فيما مسودات أبحاثه العلمية بلغت قبل وفاته نحو مئتي بحث». وتجرى محاولات مع ورثة المؤلف الراحل صلاح فؤاد لتنفيذ مسلسله الذي يتناول قصة حياة عالمة الذرة «سميرة موسى» التي ولدت عام 1917 وحصلت على الماجستير في التواصل الحراري للغازات ثم سافرت في بعثة إلى إنكلترا درست فيها الإشعاع النووي وحصلت على الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة، وأسست هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر من إعلان دولة إسرائيل عام 1948. من هنا كانت دعوتها المتكررة لأهمية التسلح النووي ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي. وفي عام 1951 تلقت عرضاً للإقامة في الولاياتالمتحدة بعد اعدادها بحوثاً في معامل جامعة سان لويس في ولاية ميسوري لكنها رفضت العرض. وفي العام التالي تلقت دعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا ثم ماتت في ظروف غامضة في حادث سيارة عن عمر 35 سنة. وليست المرة الأولى التي تتناول فيها الدراما المصرية قضية البحث العلمي، إذ تناول مسلسل «من أطلق الرصاص على هند علام» ( من بطولة نادية الجندي وخالد زكي، تأليف يسري الجندي وإخراج خالد بهجت) الذي عرض في رمضان قبل الماضي سيرة عدد من علماء الذرة المصريين الذين اغتيلوا في الخارج ملقياً الضوء على قضايا الطاقة والبحث العلمي والحق في امتلاك التكنولوجيا النووية. وتكرر الأمر في أحد الخطوط الرئيسة لمسلسل «يتربي في عزو» من بطولة يحيى الفخراني وكريمة مختار ونهال عنبر وتأليف يوسف معاطي وإخراج مجدي أبو عميرة. ويبقى السؤال: هل يمكن لهذه الأعمال أن تدق ناقوس الخطر نحو اللامبالاة التي تتعرض لها قضايا البحث العلمي، والتنكر الكبير الذي يواجهه الباحثون، أم تمر مرور الكرام من دون أي تأثير وسط كم هائل من المسلسلات التي تخلو من مضامين أو أهداف؟