يبدو أن أحوال البشر في الفضاء الكوني ليست مثل أحوالها على الأرض، وهذا على غرار القول إن أحوال الناس في الواقع الإفتراضي للإنترنت تختلف عن مجريات أحوالهم في الحياة فعلياً. فعلى الأرض، لا يتوقف التجاذب المقلق بين روسيا وأميركا حول «الدرع الإستراتيجية» وأسلحتها، كما لا تدخر الولاياتالمتحدة جهداً في انتقاد الإنتخابات الروسية ونتائجها التي أعادت إنتاج سيطرة الثنائي فلاديمير بوتين - ديميتري مدفيديف وحزبهما على السلطة في روسيا. أما في المتّسع الكوني، فقد سارت الأمور بشكل مختلف، إذ أدلى رائدا الفضاء الروسيان أنطون شكابليروف (32 سنة) وأناتولي إيفانشين (42 سنة) بصوتيهما من الفضاء في الانتخابات البرلمانية التي جرت في روسيا أخيراً. ويعمل الرائدان في «محطة الفضاء الدولية» التي تموّلها دول عدّة، أبرزها الولاياتالمتحدة. وبحسب وكالة «إنترفاكس»، أرسل هذان الرائدان صوتيهما من مسافة 350 كيلومتراً فوق الأرض، عبر خط آمن، إلى مركز لمراقبة المهمات الفضائية في موسكو. وقد وصل الرائدان الروسيان إلى المحطة الفضائية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ومن المقرر أن يعودا إلى الأرض في آذار (مارس) المقبل. في سياق التقاطع بين روسياوالولاياتالمتحدة، حملت مركبة المريخ الأميركية «كوريوزيتي»، التي اطلقت في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت الى الكوكب الاحمر، «مدفع نيوترونات» Neutrons Canon روسي الصنع شكّل جزءاً من تجهيزات المركبة الأميركية، وهي كناية عن مختبر فضاء. ومن الناحية التقنية، يشكّل المدفع جزءاً من جهاز «آلبيدو» الذي يعمل على إطلاق زخّات من النيوترون، وهو جسيم نووي ثقيل موجود في نواة الذرّة. وعندما ترتد هذه الموجات الى مصدرها، فإنها تعطي معلومات عن الأشياء التي اصطدمت بها. ويعتبر «آلبيدو» من الأجهزة التي تستطيع أن تكشف بدقة عن وجود مؤشرات عن الحياة. وذكرت وكالة «إيتار - تاس» أن إيغور ميتروفانوف، رئيس «مختبر مطياف غاما الفضائي» في معهد البحوث الفضائية التابع ل «أكاديمية العلوم الروسية»، هو الذي صنع جهاز «آلبيدو» النيوتروني. ونقلت الوكالة ميتروفانوف أنه قال: «بواسطة المدفع المولّدِ للنيوترون الذي صُمّم في «معهد دوخوف للاجهزة الاوتوماتيكية والكواشف»، نستطيع دراسة تركيب ذرّات تربة المريخ على عمق متر، ما يتيح للجيولوجيين تحديد نسبة الماء في التربة ومعرفة التركيبة المعدنية للكوكب الأحمر، وضمنها إمكان إحتوائها على مُكوّنات بيولوجية حيّة». وأوضح ميتروفانوف أن مولّدات النيوترون المثبتة في أسفل مركبة «كوريوزيتي» الأميركية، تعمل بإيعاز من الأرض. وتضخّ المولّدة 10 ملايين نيوترون خلال ميكروثانية (جزء من ألف من الثانية). وتقوم الكواشف بتسجيل أشعة النيوترون، كما تتلقى ارتداداتها، ما يجعلها شبية بصور أشعة - إكس المستخدمة في الطب. وبذا، يستطيع العلماء تحديد تركيبة التربة في النقاط التي تصطدمها الموجات وترتد منها. وأكد ان روسيا استخدمت احدث تكنولوجيات صناعة الاجهزة الفضائية والفيزياء النووية، أثناء صنع جهاز ال «آلبيدو». في سياق موازٍ، أعلن الرئيس الروسي مدفيديف أخيراً ان الاخفاقات الروسية في الملاحة الفضائية تلحق ضررا بقدرة روسيا على التنافس إستراتيجياً. وشدّد على ضرورة فرض عقوبات مالية لمعاقبة المذنبين، بل حتى إحالتهم الى المسؤولية الجنائية. وقال: «هذا النوع من الإخفاق يلحق ضرراً كبيراً بقدرتنا على التنافس. وهذا لا يعني حدوث شيء ما مميت، بل يعني انه يجب اجراء تحقيق دقيق في اسبابه، ثم معاقبة المذنبين». وأشار الى ان المعاقبة يجب ان تكون جدية، بداية من الإجراءات المالية ومروراً الى إحالة المذنبين على القضاء ووصولاً الى المسؤولية الجنائية. وفي معرض حديثه عن تطوير فرع صناعة الفضاء عموماً، أكّد مدفيديف ان تمويل هذا النوع من البحوث العلمية، يجري دائماً من موازنة الدولة». وأضاف: «يجب ترويج منتجاتنا في السوق الدولية، وصناعة منتجات عالية الجودة». وفي وقت سابق، فشلت محطة الفضاء الآلية «فوبوس غرونت»، وهي أولى المحطات الروسية المخصّصة للوصول الى كواكب بعيدة، في الوصول الى مسارها المقرر نحو المريخ، بعد انطلاقها يوم 9 تشرين الثاني. وكان من المقرر ان تأخذ عينات من تربة قمر يدور حول المريخ. وما زالت «فوبوس غرونت» تدور، كأنها هائمة، في مدار حول الأرض، بعد أن انقطع الإتصال بها.