في كل مرة تقترف فيها رقابة من الرقابات، في واحد من البلدان القليلة في العالم التي - كلبنان - لا يزال ثمة وجود فيها لهذا النوع من الرقابة، ممارسة من ممارساتها المضحكة-المبكية يحضرنا ما يقوله صديق شاعر من انه يدين بشهرته ونجاحه إلى الرقابة. كيف؟ نسأله فيجيب: ما كنت آمل لكتابي الأخير بأن يوزع بأكثر من عشرات النسخ...ثم ها هو الآن في طبعته الثالثة منذ منعته الرقابة فصار يباع «سرّاً»...والحال إن حكاية صاحبنا تذكّرنا بكيف أن فتوى الإمام الخميني في حق الكاتب سلمان رشدي وكتابه «آيات شيطانية» رفعت مبيعات الكتاب من ألوف النسخ إلى ملايينها. أما في زمن اقرب إلينا فإننا لا ننسى منع السفارة الإيرانية في لبنان لفيلمين أو ثلاثة من العرض في مهرجانات نخبوية، فإذا بالمنع يؤدي إلى نسخ وبيع عشرات ألوف النسخ من كل فيلم. ماذا يقول لنا هذا؟ يقول ببساطة إن الرقابة باتت الهيئة الأكثر نشاطاً وفاعلية في ترويج الأعمال الإبداعية ولا سيما حين يتعلق الأمر بالشرائط المصنوعة أصلاً للشاشة الصغيرة. إذ في هذا السياق حين تتخذ هيئة رقابية قرار منع، يعجز المرء عن فهم الكيفية التي يشتغل بها عقل المسؤولين في الهيئة ويتساءل: هل القوم جادّون حقاً في قرارهم؟ هل تراهم يجهلون انهم حين يمنعون عملاً ما على قناة يسيطرون عليها، يفتحون المجال أمام عرض المادة الممنوعة مع دعاية مسبقة على عشرات القنوات الأخرى؟ وإن الممنوع إن عجز عن إيجاد قناة تعرضه سيجد عشرات المواقع والفايسبوك والتويتر وعشرات الوسائط غيرها؟ من خلال هذا كلّه أو ليسوا محقّين أولئك الذين يرون الآن انه في وقت يعيش العالم كله زمن السماوات المفتوحة وتشعّب العملية الإعلامية بل حتى فوضى الحرية في إيصال أي شيء لأيّ كان في كلّ لحظة وثانية، لم تعد الرقابة سوى واحد من اثنين: فإما هي أضحوكة كبيرة تصلح للحكايات الساخرة وإما هي وكالة إعلانية خفية تروّج للأعمال المطلوب محوها بأحسن مما تفعل أيه وكالة أخرى! انطلاقاً من هنا إذاً، يصحّ التساؤل اليوم ليس فقط عن جدوى وجود هذا الجهاز البيرقراطيّ الأحمق في أي بلد من البلدان، بل وفي شكل اكثر عمومية عن جدوى وجود وزارات للإعلام في البلدان القليلة من العالم التي لا يزال فيها وجود لمثل هذه الوزارات التي استبدلت في البلدان الأخرى بناطق باسم الحكومة يقوم بمهمة محدودة هي - في الحقيقة - كل ما يتبقى فعلاً من المهمات التي كانت لمثل هذه الوزارة قبل انفتاح السماوات الإعلامية على أقصى مداها، وزوال الحاجة إلى أجهزة رقابية!