ألقى بالقارورة البلاستيكية ذات الألوان الفاتحة في سلة المهملات، وضرب بقبضة يده المغسلة التي اتكأ عليها باليد الأخرى. تصاعد ألم دقيق وحاد إلى رسغه، وشعر بأثر الصعقة تسري في كل أنحاء جسمه. تمنى لو تلقى مثل ذلك الألم عشرات المرات مضاعفاً، على أن يتلقى صدمات الألم التي لا تخف حدّتها مهما مر الوقت. كلما نظر إلى انعكاس صورة وجهه في مرآة الحمام تجدد الألم حاداً كما كان في المرة الأولى، وكلما تذكر كيف أضحى يبدو بوجهه الجديد، بل بالقناع الذي يرتديه رغماً عن أنفه أفقده الألم صوابه. مرت نهاية الأسبوع طويلة جداً في غياب والديه اللذين سافرا لغرض عائلي عاجل. حار ماذا يفعل، ريثما يعودان، ليتخلص من القناع الرهيب. وقعت عيناه مرة ثانية على القارورة الملقاة في السلة تحت خزانة المغسلة، مد يده المرتجفة نحوها، وحملها بتشنج. حاول مجدداً قراءة المعلومات المكتوبة بخط متناهي الصغر. لم يفهم شيئاً ذا بال، عدا مصطلحات تبين مكونات صنع المرهم الجلدي، وكونه فعالاً في إزالة البقع الجلدية وآثار البثور. رمى بالقارورة أرضاً، وأطلق صرخة من أعماق غضبه، لكنه قطعها بغتة حينما أحس أن وجهه يتمزق. فتح عينيه جيداً في المرآة، ورأى خطوطاً رفيعة ارتسمت على جانبي فمه، مع أن الألم الذي اعتراه وهي تتشقق أشعره بأن أخاديد غائرة قد حفرت وجهه. يا لسخرية القدر، ها هو يطمئن لعلامات إضافية على وجهه «المقنّع» الذي اكتسى قشرة براقة تميل الى اللون البني الداكن «الأسوأ لم يقع بعد على ما يبدو»، تمتم بصوت خفيض. سمع صوت المزلاج يدور، فسارع إلى غرفته يقفل الباب عليه. علا صوت أمه منادية عليه. سيكون والداه أول من يعطيانه فكرة عن وقع قناع وجهه على من يراه. ظلت الأم فاغرة فاها لوهلة تنظر إلى ما حل بوجه المراهق، قبل أن تمطره بالأسئلة عما حل به، لحق بها الزوج ليعرف ما يجري بالغرفة، وانهمر وابل من الأسئلة على الولد الخائف. عرفت الأم ما حل بوجه ابنها قبل أن تأخذه الى زيارة الطبيب المختص في الجلد، فالمرهم الجلدي الذي دهن به وجهه كان منتهي الصلاحية منذ نحو عام. كانت طبقة الجلد السطحية تالفة تماماً، وهي تلك الطبقة البنية البراقة التي غطت وجهه في شكل قناع بلاستيكي رفيع. طمأنهما الطبيب إلى إمكان العلاج، لكنه نبههما إلى أن استعادة البشرة الطبيعية تتطلب الوقت والكثير من الحرص، لا سيما، عدم التعرض لأشعة الشمس. قال الطبيب إن الكثير من مرضاه يمثلون حالات مشابهة يكون فيها استخدام مراهم غير مناسبة لنوعية الجلد أو المرض أو التشوهات المراد علاجها مسؤولاً عن إيذاء جلدهم وإصابتهم أحياناً بأمراض جلدية مزمنة كسرطان الجلد. وتشكل مستحضرات التجميل التالفة وتلك التي طال استخدامها خطراً أكبر على صحة البشرة وسلامتها وحيويتها. كانت الأم توقفت عن استخدام المرهم الذي استعمله ابنها بغية إزالة بعض الآثار الداكنة على وجهه، كما استغنت عن عدد من مستحضرات التجميل القديمة لديها، بعد أن شاهدت برنامجاً تلفزيونياً حول مدة صلاحية مواد التجميل، وهالها أنها لم تكن تعلم مثلاً أن أحمر الشفاه ومراهم مقاومة أشعة الشمس يمكن استخدامها زهاء سنة فقط، بينما لديها منها ما تجاوز السنتين، وأن مراهم ترطيب البشرة وغيرها تستخدم ستة أشهر بعد فتحها، على رغم أنها كانت تلاحظ في بعض الأحيان ظهور حساسية جلدية لديها وتهيج واحمرار أحياناً أخرى، وكانت تعزو ذلك الى الطعام أو التعرض للشمس والتعب. المشكلة أن الأم لم تتخلص من كل مستحضرات التجميل غير الصالحة. فقد عز عليها أن تلقي في سلة القمامة مستحضرات ماركات مشهورة ومرتفعة الثمن، وهكذا وقعت إحداها في يد مراهق أراد أن يبدو وجهه خالياً من أية شوائب. وينصح أطباء الجلد بمراعاة مدة استخدام مستحضرات العناية بالجسم والماكياج بعد فتحها، وعادة ما تظهر أرقام المدة مكتوبة بخط صغير أمام مصطلح PAO وعليها الرقم 12 أو ستة أشهر، وتكتسي هذه المعلومات أهمية كبيرة لأن الكثير من مستحضرات تنظيف الشعر والبشرة والماكياج تحتوي على مواد غير معروفة الهوية، ولا يشار إلى الأضرار المترتبة عن سوء استخدامها أو عدم ملاءمتها لأنواع معينة من الجلد والبشرة.