بدأت القمة الأوروبية أعمالها مساء أمس في بروكسيل، وفي جدول مناقشاتها رهانات مهمة تُبحث على الطاولة أو في الكواليس، وعلى وقع تحذير فرنسي أطلقه الرئيس نيكولا ساركوزي، من أن «خطر تفكّك أوروبا لم يكن يوماً كبيراً كما هو اليوم»، معتبراً أن الأوروبيين «لم يعد لديهم سوى بضعة أسابيع لاتخاذ القرارات اللازمة للخروج من الأزمة». ولمّح الى فرصة أخيرة للحل. وقبل ساعات من القمة، اجتمع قادة أوروبيون أمس في مرسيليا جنوبفرنسا، وسط أجواء من التوتر، وتشاوروا في إنقاذ منطقة اليورو المهددة ب «الانفجار». ويسود التوتر علاقات الأوروبيين بعد شهور من أزمة الديون. وفاقمت هذا التوتر تحذيرات متكررة لوكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد اند بورز»، الاتحاد الأوروبي ومصارفه، بعدما وجهت في مرحلة أولى تحذيرات بخفض تصنيف بلدان في منطقة اليورو. وتتمثل الرهانات ب «تعزيز الحوكمة في منطقة اليورو وهو الهدف الأساس للقمة، القاضي بتشديد الانضباط المالي المشترك من خلال تعديل معاهدة الاتحاد الأوروبي لإدراجه فيها في شكل واضح وصارم. ويتطلب تحقيق هذا الهدف فرض عقوبات تلقائية وفورية على دول منطقة اليورو، التي تسجل موازنتها عجزاً يفوق الحد المقبول. ويفرض الاتفاق المطروح للبحث ما يعرف ب «قاعدة ذهبية»، ترغم دول منطقة اليورو على إدراج هدف العودة إلى التوازن في الموازنة في دستورها، مع إعطاء محكمة العدل الأوروبية إمكان الإشراف على ذلك، بتشديد الانضباط المالي. أما الدول التي تحظى ببرامج مساعدات خارجية مثل اليونان وإرلندا والبرتغال حالياً، فيمكن وضعها تحت إشراف المفوضية الأوروبية التي تمنح صلاحية فرض إقرار إصلاحات عليها. ويشكل تغيير المعاهدة الأوروبية أولوية ألمانية، وهو رهان ثانٍ ويقترح رئيسا الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي والمفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو آلية على مرحلتين تشمل كل دول الاتحاد ال 27. والهدف من ذلك تجنب ضغط برلين وباريس في اتجاه اتفاق يقتصر على دول منطقة اليورو يكون التوصل إليه أسرع وأسهل. ويدعو الرئيسان إلى الشروع بآلية تستغرق بين شهرين وثلاثة، ولا تتطلب سوى موافقة رؤساء دول وحكومات الاتحاد من دون إبرامها في البرلمانات الوطنية، لكن ذلك لن يسمح باعتماد عقوبات تلقائية. وتستكمل الإجراءات في مرحلة ثانية تستغرق سنتين. في شأن السندات باليورو، دعا فان رومبوي وباروزو في مقابل تعزيز الانضباط المالي في شكل كبير، إلى «إمكان التقدم في اتجاه إصدار سندات ديون مشتركة في مستقبل بعيد» عبر نظام سندات باليورو. والرهان الرابع يقضي بتعزيز الحاجز لمنع انتشار الأزمات، وهو الوسيلة الوحيدة لطمأنة الأسواق آنياً. ودعا الاقتراح الفرنسي - الأوروبي إلى تقريب بدء عمل آلية التضامن الأوروبية إلى العام المقبل. ويُفترض أن تحل هذه الآلية في شكل دائم مكان الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي. الرهان الأخير ويتمثل الرهان الأخير بدور البنك المركزي الأوروبي، إذ تتفق الدول على أن تعزيز الانضباط المالي يفترض إقناع البنك المركزي الأوروبي ببذل المزيد لمساعدة الدول التي تواجه أوضاعاً صعبة مثل إيطاليا، من خلال شراء قسم كبير من ديونها في الأسواق لدفع تراجع معدلات الفائدة. وفي المواقف قبل افتتاح القمة، دعا باروزو لدى وصوله إلى مرسيليا جنوب شرقي فرنسا لحضور اجتماع لقادة حزب الشعب الأوروبي (يمين أوروبي)، قادة دول الاتحاد الأوروبي إلى «بذل كل الجهود لضمان عدم العودة عن اليورو». ورأى الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية جان ليونيتي، أن الوضع داخل الاتحاد الأوروبي، «خطير»، محذراً من احتمال أن «ينفجر اليورو وأن تتفكك أوروبا». ولفت في حديث إلى شبكة «كانال بلوس»، إلى أن ذلك «ربما لا يطرح كارثة على أوروبا وفرنسا فحسب بل على العالم». وانتقد ليونيتي وكالات التصنيف الائتماني، موضحاً أنها «كانت تعتمد معايير اقتصادية ومالية، وانتقلت حالياً إلى معايير سياسية». ومن النقاط التي لا تزال غامضة موقف بريطانيا، إذ تلوح بطلب مقابل لموافقتها على تغيير المعاهدة يتمثل في نقل صلاحيات بروكسيل إلى لندن. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، «كلما ضغطت منطقة اليورو بطلباتها فسنرد من جانبنا بطلبات». وقال: «ما نريده تحديداً في مجال الخدمات المالية الذي تملك فيه بلادنا مصالح ضخمة، هو أن نملك مزيداً من السلطات في بريطانيا بهذا الشأن». وستعارض لوكسمبورغ الدولة الصغيرة هذا الطلب. ورفض رئيس وزرائها جان كلود يونكر، أن «تملك بريطانيا في مجال الخدمات المالية حقوقاً وحريات لا يملكها الآخرون». وبالتالي يطالب مسؤولون أوروبيون كثر، بأن تتوصل بلدان منطقة اليورو فقط في ما بينها إلى اتفاق، والتخلي عن إصلاح معاهدة الاتحاد الأوروبي (27 بلداً). إلى ذلك، أعلن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، إطلاق عمليتي إقراض ل 36 شهراً من أجل المصارف، بفائدة ثابتة ومبالغ غير محدودة لتحسين حصولها على السيولة وضمان حسن سير الاقتصاد في منطقة اليورو.