أسدلت القوى السياسية في مصر الستار على المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب، لتبدأ الاستعدادات للمرحلتين الثانية والثالثة اللتين تضمان عدداً كبيراً من القرى. وبعيداً من صخب العاصمة، المجال الحيوي لوسائل الإعلام، تدور «معركة كسر عظم» بين حزبي «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، و «النور» السلفي. ومعروف أن القرى المنتشرة في مصر التي تشهد عادة نسب اقتراع مرتفعة ينشط فيها التيار الإسلامي في شكل ملحوظ من خلال الأنشطة الخدمية، فضلاً عن أن أهلها متدينون بطبعهم. وفي قرية الصف التابعة لمحافظة الجيزة المدرجة ضمن محافظات المرحلة الثانية التي تجرى الانتخابات فيها الأسبوع المقبل، نموذج واضح للمعركة بين «الإخوان» الذين تصدروا نتائج المرحلة الأولى والسلفيين الذين حلوا ثانياً. ففي القرية التي تبعد نحو 120 كيلومتراً من العاصمة يسارع كلا الطرفين لحشد العائلات لمصلحته، علماً أن لكل منهما أنصاراً لكنهم ليسوا كافيين لحسم المنافسة لأي منهما. وأدخلت الانتخابات مظاهر جديدة إلى القرية، فشاشات العرض المنتشرة في شوارعها لم يعهدها الأهالي من قبل. ونصب حزب «الحرية والعدالة» هذه الشاشات في كل ركن من القرية لعرض السير الذاتية لمرشحيه وإنجازاتهم في المجالات العلمية والعملية. ولم تفته الإشارة إلى الاعتقالات المتكررة التي تعرض لها هؤلاء المرشحون خلال حكم النظام السابق. وتكفل مسؤولو المكتب الإداري للجماعة في القرية بتقسيم أنفسهم إلى مجموعات تجول على رؤوس العائلات لشرح رؤية الحزب والجماعة وطلب دعمها لمرشحيهم، وهم راعوا في ذلك الأمر علاقات النسب المتداخلة في ريف مصر. المجالات الخدمية مجال آخر لكسب التأييد، ف «الإخوان» تكفلوا بحل أزمة أسطوانات غاز الطهي التي تعاني منها القرية عبر الدفع بمئات منها يومياً وتوزيعها على الأهالي بالأسعار المدعمة، ما مكنهم من القضاء على السوق السوداء فعلاً. لكن لم يغب عن السلفيين أيضاً تقديم الخدمات، لكنهم فضلوا اللحوم، فنصبوا سرادقات عدة لبيع اللحوم بأسعار مخفضة تصل في بعض الأحيان إلى أقل من نصف سعرها في السوق. غير أن السلفيين اعتمدوا أكثر على الدين في دعاياتهم التي اعتبرت أن «انتخاب حزب النور واجب شرعاً». ولم تغب المساجد في القرية عن هذا الصراع السياسي، فكل مسجد معروف بتبعيته، إما للسلفيين أو «الإخوان» أو وزارة الأوقاف. وقال خالد رفاعي (34 سنة)، وهو محاسب من أهالي القرية، ل «الحياة»: «كنت أفضل السلفيين، لكن دعايتهم الدينية المكثفة جعلتني أراجع أفكاري... الإخوان قدموا حلولاً عملية لمشاكل طالما عانينا منها مثل أنابيب البوتاجاز». ورفض إصرار السلفيين على اعتبار انتخابهم واجباً شرعياً، قائلاً: «وصلوا إلى حد تشبيه أنفسهم بالصحابة، ففي مسجدهم يقولون هل يجوز للمسلم رفض خلافة الصحابة؟ كما لا يجوز للمسلم ذلك، لا يجوز له شرعاً رفض ولاية السلف الصالح». وأشار إلى أنهم «يهاجمون الإخوان بضراوة ويتهمونهم بالتفريط في الدين للمصلحة السياسية ويعتبرون أنفسهم أولياء على الدين، ودائماً يقولون إن الحكم أمانة سنسأل عليها أمام الله... قوائمهم تضم فلولاً من الحزب الوطني المنحل وهذا شيء أرفضه»، منتقداً تحويل المساجد «من دور للدعوة إلى الله إلى الدعوة للسياسة... خُطب الجمعة تحولت إلى مجال للتنابذ السياسي».