أصفهان - أ ف ب - تجلس زهراء ناظر خلف النَول، لتحبك بسرعة ومهارة خيوطاً ملونة من الحرير في سجادة يستغرق إنجازها أكثر من سنة. وعلى رغم مرور 2500 سنة على حياكة السجاد الفارسي المشهور في إيران، لا تزال حركات الأصابع الرشيقة على حالها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النول المعلق بقضبان خشبية منحوتة. ولكن صناعة السجاد التي تدر نصف مليار دولار من الصادرات، باتت مهددة في السنوات الأخيرة وبالتالي أدخلت عليها تعديلات جذرية لاستبدال التقاليد بتكنولوجيا القرن ال 21. وتعتبر ناظر مهنتها التي تشمل مئتي ألف ناسج مرخص له، بمن فيهم عائلتها، مهنة موروثة انتقلت من جيل إلى آخر منذ القدم. وتقول: «أحبُك السجاد منذ كنت في الخامسة عشرة. أحب النسج وهو ليس صعباً». ولكن ما لا تراه ناظر هو تغير السوق خارج مشغلها الصغير الذي تشاطرها إياه عشرات النساء. فالأسواق باتت مليئة بسجاد شبيه بما تحبكه، يأتي من الصين وباكستان ومعظمه مصنوع آلياً، ولكنه أرخص ثمناً. ومع أن ثمن السجاد الفارسي الأصلي المصنوع يدوياً، قد يصل إلى عشرات آلاف الدولارات، فإن الناسجين مثل زهراء ناظر يتقاضون أقل من دولار واحد في اليوم مقابل عملهم الشاق. ويقول بائع السجاد حسن حسين زاده: «تراجع وضع السوق في شكل جذري في السنوات الأخيرة، بسبب النقص في المشترين، لا سيما أن زبائننا من السياح ونحن في حاجة إلى عدد أكبر من السياح في البلاد». وفي خطوة لمواجهة الأزمة، لجأت بعض الشركات إلى الكمبيوتر والآلات لاستعادة مكانتها في السوق. الكومبيوتر وفي إحدى الشركات في مدينة قمّ، يجلس المصمم الشاب جواد ديجاهاني خلف شاشة كمبيوتر موصولة بطاولة للرسم، مستخدماً الجهاز ليرسم بدقة الخطوط والأزهار والعصافير التي تضيفها النساء الناسجات إلى السجاد لاحقاً. ويجاوره عامل أكبر سناً يؤدي عمله على الطريقة التقليدية، فيرسم بيده على ورق مخطط. ويقول ديجاهاني: «البعض يصمم السجاد منذ سنوات طويلة ولا يزال يعمل يدوياً. فالذين بلغوا الستين لا يحبذون العمل على الكومبيوتر، ولكن على المرء أن يواكب العلم لئلا يصبح معزولاً». ويشرح أن الكمبيوتر «يسرع عملية التصميم ويفسح المجال أمام المناورة». كذلك شهدت عملية الصبغ تغيراً، علماً أنها لا تزال تتم في غالبية الأحيان في غرف بخارية حيث يغمس الرجال كرات من الحرير في براميل، ثم يلفونها على شكل حلقات حول أذرعتهم ويصبغونها على دعائم موضوعة على السطح. ولكن التغيير يبدو واضحاً في مصنع خارج مدينة كاشان حيث يشرف عامل على عملية الصبغ الممكننة التي تتم في براميل مصنوعة من الفولاذ الصلب، توزع الصباغ بطريقة متساوية تسمح بتدارك الاختلاف في الألوان الذي يرافق الصناعة الحرفية. ولمواكبة التغيير، انتقل تعليم الحرفة من المعامل إلى المقاعد الدراسية. ففي كلية الفنون في أصفهان، يكتسب الطلاب في غضون أيام تقنيات كان أسلافهم يحتاجون إلى أشهر لتعلمها ممن يكبرهم سناً. ويقول علي رضا ايرانبور الذي يعلّم نسج السجاد في الكلية: «سهلت الطرق التي نعتمدها في نقل الطريقة التقليدية إلى الطلاب عملية التعلم». ويشير إلى أن أحد الطلاب أنجز عملاً يوازي من حيث النوعية عمل الكبار، وذلك بفضل متابعة حصص النسج لمدة 6 ساعات أسبوعياً. ويضيف: «لم أفهم بعد لم يعارض مؤيدو الطريقة التقليدية استعمال أدوات القياس». ويشدد على أنه يتطرق إلى الوسائل التقليدية في حصصه «لأن هؤلاء الأشخاص تعلموا الحرفة من خبرة الكبار، التي تراكمت على مدى ألف سنة».