تذكرت أم نواف، رحمها الله، وأنا أتأمل النقوش والألوان الزاهية للسجادة الجميلة التي كانت قد أهدتني إياها منذ سنوات. أم نواف هي سيدة فاضلة من منطقة الجوف، وشأنها شأن معظم نساء الجوف تجيد فن نسج السجاد وغزل السدو ومهارته، إذ يندر أن ترى بيتاً في منطقة الجوف إلا ونصب في باحته نولاً لنسج السجاد، أو مد آخر لغزل السدو. وتبدع نساء المنطقة في إنتاج السجاد والسدو مستخدمات صوف الغنم ووبر الإبل. وقد تعلمت كثيرا عن هذا الفن من سيدات الجوف حينما زرت تلك المنطقة خلال عملي في جمعية النهضة النسائية. تعلمت منهن أن وبر الإبل لا يصبغ بل يستخدم بألوانه الطبيعية المتدرجة من الأبيض إلى الأسود مروراً بدرجات البني من الداكن إلى البيج الفاتح، تعلمت منهن أن ألوان وبر الإبل تتبع ما يوصف به لون الإبل مثل المجاهيم والصهب والشعل والوضح، ولايقال أسود أو أشقر أو أبيض، أيضاً لايؤخذ الوبر من الإبل النافقة أو الميتة لأنه سيصدر رائحة عفنة لا يمكن القضاء عليها، لذا يقص الوبر من الإبل وهي حية. أما صوف الغنم فتتم صباغته بأصباغ طبيعية يستخلصنها من أعشاب الصحراء التي تنمو بوفرة في المنطقة. كما علمتني نساء الجوف أنواع وأشكال وأسماء الغرز والنقوش للسدو والسجاد. أكثر ما احترمته في أم نواف رحمها الله هو شخصيتها المتميزة وعزيمتها وإصرارها في مواجة الصعاب وأعجبتني مهنيتها العالية وأخلاقيات العمل الرفيعة التي تتحلى بها، فهي تتقن عملها وتحترم من يعجب بصنعها ويقبل على اقتنائه فتحافظ على مواعيدها وتعتني بتقديم إنتاجها بأفضل صورة. وقد حرصت أم نواف على تعليم هذه المهارة لبناتها وبنات الجوف من جيل بناتها لتستمر هذه الصناعة مزدهرة في منطقة الجوف وخوفاً على هذه الحرفة من الاندثار. تنتج نساء الجوف مئات القطع من السدو والسجاد سنوياً، ناسجات بين خيوطه ونقوشه اعتزازاً بالمهنة وشغفاً بالعمل. إن إنتاج نساء الجوف من السدو والسجاد مفخرة لكل الوطن، والمفروض أن لا يخلو بيت في المملكة من قطعة على الأقل من سجاد الجوف ليس فقط تشجيعاً لهن كطاقات وطنية مبدعة ولكن لأن القطع عمل يدوي متقن جميل، أقتنيه لبيتي وأهديه لصديقاتي بفخر ومباهاة. رحمك الله يا أم نواف فقد رحلتي من الدنياوتركت خلفك إرثاً تراثياً عريقاً، وسلمت أيدي بنات الجوف لما تبدعه أناملهن من سجاد جميل بنقوش بديعة وألوان متناغمة.