ثمة تحليل متداول على نطاق واسع يضع جميع الإسلاميين المتقدمين في انتخابات الربيع العربي في سلة واحدة، سواء على مستوى المنطقة أو في البلد الواحد. وكأن برنامجاً سياسياً واحداً يحكم سلوك جميع الإسلاميين، وليبدو الأمر على أن ثمة مهندساً واحداً لكل حركة الإسلاميين، خصوصاً في مصر وتونس والمغرب، هذه البلدان التي شهدت اقتراعاً شعبياً وضع مرشحي الحركة الإسلامية في أعلى قائمة الفائزين، وربما في بلدان عربية أخرى قد تحتكم إلى انتخابات حرة ونزيهة. وينطوي هذا التحليل على اعتبار أن مبادئ واحدة تحكم العمل السري والمعارض والعمل العلني وممارسة السلطة، بغض النظر عن الضرورات التي تحكم كلاً من الحالتين. وعلى اعتبار أن كل هذه الحركات خرجت من عباءة جماعة «الإخوان المسلمين»، وقد خضعت سياساتها إلى قيادة التنظيم الدولي، بغض النظر عن الحالات الوطنية وضروراتها. لكن التدقيق في الحالات الانتخابية الثلاث، تونس والمغرب ومصر، يوضح انه بمقدار ما تقترب الحركة الإسلامية من المشترك الوطني في بلدها بمقدار ما تكتسب صدقية وشرعية تمثيلية تجعلها جزءاً من المكون السياسي - الإداري الدائم في بلدها. صحيح أن أسباباً ودوافع تتصل بتجارب المرحلة السابقة، سواء في العلاقة مع السلطة كمعارضة أو الخبرة التنظيمية والموارد السياسية والمالية، جعلت الإسلاميين يتصدرون نتائج الاقتراع. لكن الصحيح أيضاً أن ثمة فوارق جوهرية بين الجماعات الإسلامية المتشددة بأنواعها المختلفة التي تنتهز هذه الظروف، لتطفو على السطح وتدفع بشعاراتها المتطرفة، وبين الجماعات ذات المرجعية الإسلامية الباحثة عن مكانها بين المكونات الوطنية. حتى لو أن الانتهازية السياسية فرضت أحياناً تحالفات انتخابية بين هذه الجماعات. ويمكن أن نتوقع أن يكون التحدي الأساسي لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر سيكمن في كيفية التعامل مع السلفيين والأصوليين والمتشددين وليس مع الحركات الليبرالية واليسارية. وذلك لسبب بسيط هو أن ثمة مشتركاً وطنياً بين «الإخوان» وهذه الحركات تمثله مرجعية الدولة والوطن، في حين أن الجماعات الإسلامية المتشددة تريد إعادة نظر شاملة في معنى هذه الوطنية ومرجعياتها. وهذا هو التحدي الذي تواجهه حركة «النهضة» في تونس. صحيح أن الحركة تنخرط في مفاوضات ذات طابع سياسي بحت، مع أطراف تونسية أخرى فائزة في الانتخابات من اجل التوصل إلى اتفاق على كيفية إدارة المرحلة الانتقالية ووضع الدستور، لكن هذه المفاوضات ستكون نفسها في حال كان الفائز أي طرف غير «النهضة». ما يجعل الأخيرة مكوناً وطنياً يتقاسم مع المكونات الأخرى قواعد وطنية عامة. في هذا الوقت تخرج جماعات متشددة لتلقي عليها التحدي الاجتماعي المتمثل بالاختلاط والنقاب والمرجعية، وهي تحديات سعت الحركة، قبل الانتخابات وبعدها، إلى إعطاء أجوبة حاسمة في شأنها، خصوصاً لجهة احترام الحريات الفردية ومرجعية القوانين والدستور. وفي المغرب، حسم حزب العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات والمكلف تشكيل الحكومة الجديدة الأمر لجهة مرجعيته. إذ اعلن أن الملكية (المخزن عماد الوطنية المغربية) «خط أحمر» بالنسبة إليه، ما يضعه في موقع وطني واحد مع بقية الأحزاب المغربية باتجاهاتها المختلفة، في مواجهة حركة «العدل والإحسان» الإسلامية الراديكالية المناهضة للملكية المغربية. هكذا يتضح أن تقاسم الإسلاميين المنتصرين في الانتخابات مع المكونات السياسية الأخرى في بلدهم مرجعية وطنية واحدة، يقلل كثيراً من وهم الحركة المنظمة والمنسقة على أيدي تنظيم إسلامي دولي مفترض، ويفرض على كل منهم تكيفاً مع المعطيات الوطنية، بدل الشعارات العامة التي كانت ترفع في مرحلة المعارضة أو العمل السري. وهذا يعني أيضاً أن الفوز الانتخابي الحالي للإسلاميين يرتبط بطبيعة مرحلة الربيع العربي، وأن ظروفاً مختلفة قد تحمل أحزاباً أخرى إلى الحكم، ليصبح التناوب وتداول السلطة، بين الإسلاميين وغيرهم من الفئات السياسية، أمراً طبيعياً في ظل مرجعية وطنية واحدة، وليس فرضاً مفتعلاً من إرادة عليا.