نيقوسيا (قبرص) - ا ف ب - تقدم الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية عبدالرحمن عزام في 27 آذار (مارس) 1947 بمذكرة لإقامة دورة رياضية تجمع النخبة من الشباب العربي بمشاركة جميع الدول الأعضاء أو غير الأعضاء في الجامعة، لكن فكرته لم تلق قبولاً وظلت مجرد فكرة لم تبصر النور إلا بفضل المهندس المصري أحمد الدمرداش توني. وإذا كان عزام هو صاحب الفكرة أو من أوحى بها على الأقل فذلك لأنه كان يؤمن بأن الرياضة «من أفضل الوسائل لربط شباب الدول العربية وتمكينهم من بناء مستقبل الأمة العربية، وهي أحب ما يستهوي نفوس الشباب ويحليهم بالفضائل ويوثق عرى الروابط الاجتماعية ويزيل الفوارق بينهم». وكان عزام يجاهر بأن «شباب الدول العربية كلها يتلهفون على جمع النشاط الرياضي المتفرق في دورة واحدة تقام سنوياًً في إحدى مدن الدول العربية، وهم يتوجهون بأبصارهم إلى مجلس الجامعة بغية تحقيق هدفهم هذا، ولا شك في أن اجتماع الشباب في صعيد واحد كل عام هو خير وسيلة للتعارف والتحابب، وهو أيضا دعوة إلى الوحدة الروحية، الشيء الذي يتفق مع روح المادة الثانية من ميثاق جامعة الدول العربية». وإذا لم يحظ مشروع عزام بالموافقة في ذلك الوقت، فإن الفكرة بقيت مطروحة، والجهود من أجل بعث الألعاب مستمرة، والفضل في إطلاق الدورات الرياضية العربية التي تحتضن قطر نسختها ال12 من 9 إلى 23 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، يعود بالفعل إلى الدمرداش توني الذي صار «رائد» الحركة الرياضية العربية وأبرز رموزها في القرن ال20. وكان الدمرداش توني اقترح تنظيم دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط عام 1951 في مدينة الإسكندرية، وأردفه باقتراح تنظيم أول دورة عربية، فاحتضنت عروس البحر المصرية النسخة الأولى عام 1953، وكان الدمرداش توني بمثابة الأب الروحي في تنظيمها. وأجرى الدمرداش توني اتصالات مكثفة بحكم كونه رئيساً للجنة الأولمبية المصرية حتى يضمن نجاح الاقتراح ذاته، وهذا ما حصل بالفعل، لأن مجلس الجامعة تبنى فكرة إقامة الدورة العربية في 9 نيسان (أبريل) 1953 وكلّف مصر بتنظيمها للمرة الأولى من 26 تموز (يوليو) إلى 10 آب (أغسطس) 1953 في الإسكندرية مع مساعدة بقيمة 25 ألف جنيه لتغطية نصف تكاليفها. واستضافت الإسكندرية الدورة العربية الأولى عام 1953 أي بعد سنتين من تنظيمها أول دورة لألعاب المتوسط بمبادرة من رئيس اللجنة الأولمبية المصرية وقتذاك محمد طاهر باشا وأمينها العام الدمرداش توني. وأقيمت الدورة العربية بانتظام أربع مرات في 12 عاماً في الإسكندريةوبيروت والدار البيضاءوالقاهرة من 1953 إلى 1965، بمعدل مرة واحدة كل أربع سنوات بحسب ما تقول نصوصها، بيد أن توازن الدورة اختل مكاناً وزماناً، وصارت بعد ذلك في مهب الريح لأسباب متعددة. وهكذا نظمت الخامسة بعد انتظار دام 11 عاماً (عام 1976 في دمشق)، والسادسة بعد انتظار تسع سنوات (1985 في الرباط)، والسابعة بعد انتظار سبع سنوات (1992 في دمشق). وكان مقرراً أن تقام الدورة الثامنة في بيروت عام 1996، لكنها تأجلت إلى عام 1997 بسبب العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان (عملية عناقيد الغضب) في نيسان (أبريل)، ثم استضاف الأردن النسخة التاسعة بعد سنتين، قبل أن تعود الدورة إلى الانتظام على أساس إقامتها في الجزائر عام 2003، لكنها تأجلت مرة أخرى لمدة عام بسبب قوة قاهرة تمثلت في زلزال قوي هز البلاد. ويمثل المهندس أحمد الدمرداش توني تاريخاً متنقلاً للرياضة العربية على رغم أنه كان مقعداً في أواخر عمره، واستثمر حبه للرياضة وشبكة العلاقات الواسعة بالمسؤولين الرياضيين، فنجح في إخراج فكرة الدورة العربية من أدراج مكاتب الجامعة العربية، ومكنّها من أن تبصر النور عام 1951 وتمكّن بالتالي من تحقيق ما فشل في تحقيقه رئيس الجامعة الأسبق عبدالرحمن عزام عام 1948. وترك الدمرداش توني بصمات على كل شيء مصرياً وعربياً ومتوسطياً وأولمبياً، وهو بالتالي صاحب السجل الأغنى بين جميع العرب. ولد الدمرداش توني في 10 آب (أغسطس) 1907 في مدينة ملوي بصعيد مصر، وحصل على بكالوريوس في الزراعة عام 1936 من دون أن يمنعه تحصيله العلمي من مزاولة السباحة والجمباز وألعاب القوى من 1927 إلى 1936، وتوّج بطلاً لجامعات إنكلترا في السباحة والجمباز عامي 1937 و1938. وعشق الدمرداش توني الرياضة منذ صباه بعدما عرف عراقتها وأهميتها، وتابع على جدران المعابد في مدينته حضارة قدماء المصريين وبراعتهم في الرياضة، ولم يكن عاشقاً للعبة واحدة، وإنما كان رياضياً بارعاً في أكثر من لعبة، إذ تألق في السباحة والجمباز والغطس والوثب والعدو وكرة السلة مستغلاً طوله الفارع، وكرة الماء والكرة الطائرة، وحصل على أكثر من جائزة محلية، وشارك في بطولات عالمية عدة وحقق إنجازات كبيرة، واتجه بعد اعتزاله إلى التحكيم في أكثر من لعبة رياضية. وعلى الصعيد الإداري، أسس الدمرداش توني الاتحاد المصري للجمباز عام 1934 والاتحاد المصري للكرة الطائرة عام 1946، وصار عضواً في اللجنة الأولمبية المصرية في العام ذاته، وفي اللجنة الأولمبية الدولية عام 1960، وفي الاتحاد العربي للألعاب الرياضية عام 1976، وفي مجلس الأمة المصري (البرلمان) من 1968 إلى 1980، وفي مجلس الشورى المصري من 1980 إلى 1988، وعمل مديراً لإستاد القاهرة من 1955 إلى 1962. وأسهم الدمرداش توني في تأسيس اللجنة الدولية لألعاب البحر المتوسط، وكان مديراً لأول دورة متوسطية في الإسكندرية عام 1951، وترأس بعثات مصر إلى الدورات الأولمبية ال14 و15 و17، وحصل على تنويه الجدارة الذهبي المصري عام 1951، والميدالية الفضية الفرنسية في التربية البدنية عام 1951 أيضاً، والوسام الأولمبي الفنلندي عام 1952، ووسام الاستحقاق الأولمبي المصري من الدرجة الرابعة عام 1955، وميدالية الاستحقاق اللبناية الفخرية عام 1955، وميدالية الجدارة الفرنسية عام 1955، ووسام الجمهورية المصري من الدرجة الرابعة عام 1960، ووسام الرياضية المغربي عام 1961، وميدالية البارون بيار دي كوبرتان عام 1964، ووسام الجمهورية المصري من الدرجة الثالثة عام 1967، ووسام الاستقلال الأردني من الدرجة الثانية عام 1966، ووسام التقدير من الاتحاد الاشتراكي العربي المصري عام 1968، ودبلوم اليونيسكو عام 1988، ووسام الاتحاد العربي للألعاب الرياضية عام 1989. وأهدى الدمرداش توني كل مقتنياته الرياضية إلى اللجنة الأولمبية المصرية التي وضعتها في متحف خاص يحمل اسمه. ورفع الدمرداش توني طوال حياته شعار «مدرسة رياضية في كل محافظة»، وطالب بعودة الرياضة إلى المدارس لاكتشاف المواهب الرياضية في مختلف الألعاب.