شهدت العلوم الطبية في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد اكتشاف عقار «سيلدينافيل» Sildenafil («فياغرا» Viagra)، طفرة كبرى في البحوث عن مشكلة الضعف الجنسي عند الرجال وأسبابها وسبل علاجها، إذ لا تقتصر النتائج السلبية لهذه المشكلة على الحياة البيولوجية والجنسية للفرد، بل تترك آثاراً نفسية وإجتماعية متنوّعة. وأشارت إحصاءات صدرت عن جهات عالمية متخصصة أخيراً، إلى معاناة قرابة 200 مليون رجل، بدرجة أو اخرى، الضعف جنسياً. وعلى رغم ارتفاع معدلات الإصابة بالضعف الجنسي وتزايد المشاكل العضوية والنفسية والإجتماعية المرتبطة به، لا تزال غالبية المرضى تتفادى اللجوء إلى مساعدة طبيب متخصّص للحصول على التشخيص السليم والعلاج المناسبين. خوفاً على رجولة زائفة في العالم العربي، تتفاقم حدّة هذه المشكلة باطراد، بأثر من عوامل تتعلق في الدرجة الأولى بحساسية مناقشة الاضطرابات الجنسية لارتباطها بمفهوم «الرجولة»، إضافة إلى ضعف الثقافة الجنسية في المجتمع العربي. ووفق دراسة حديثة أصدرتها «الجمعية العربية لطب الأمراض الجنسية»، يتبين أن نسبة الإصابة بالضعف وصلت إلى 18 في المئة بين الشباب العرب ممن هم فوق سن العشرين. وأكّدت الجميعة أن هذه الأرقام تشير إلى ضرورة تكثيف الجهود لزيادة الوعي لدى الرجال والشباب بأهمية طلب المساعدة الطبية لتفادي الآثار المترتبة عن هذه المشكلة. وذكّرت الجمعية أن هذه المشكلة غالباً ما تتأتى من مسبّبات نفسية، خصوصاً لدى الفئات الشابة. وفي السياق عينه، أشار عدد من الإختصاصيين إلى أنّ الضغوط النفسية والحياتية تمثل الغالبية الكاسحة من أسباب الاضطرابات الجنسية التي تقود إلى مشاكل زوجية قد تؤدي إلى الطلاق وإنهيار الأسرة. وعلى رغم وجود أسباب مرضية وجسدية تؤثر في الأداء الجنسي للذكور، مثل أمراض السكري والأعصاب والشرايين، تفيد الدراسات المتخصصة بأنّ الاضطرابات النفسية هي أبرز مسبّبات التدهور في الأداء الجنسي، مع وجود مساهمة لبعض العوامل الخارجية مثل التدخين والنظام الغذائي والتلوّث وغيرها. وتظهر هذه المعطيات أهمية التعامل بموضوعية مع الضعف الجنسي، والنظر إليه باعتباره مشكلة يمكن حلّها عبر اللجوء إلى الطبيب الاختصاصي، إضافة الحصول على دعم نفسي ومعنوي. جاءت هذه المعطيات وسواها في سياق مؤتمر صحافي موسّع عن مشكلة الضعف الجنسي، عقده أخيراً الدكتور أحمد عُكاشة، مدير «مركز منظمة الصحة العالمية التعاوني للتدريب والبحوث» و «معهد عُكاشة لبحوث الطب النفسي». وأشار عُكاشة إلى ضرورة تشجيع مرضى الضعف الجنسي على المطالبة بحقهم في حياة أفضل من طريق الاعتراف بوجود المشكلة أولاً، وثمّ المسارعة إلى طلب المشورة الطبية والحصول على علاج مبكر، إذا اقتضت الضرورة. وأوضح عُكاشة أنّ إهمال الضعف الجنسي قد يقود المريض إلى مخاطر صحية ومشاكل أسرية، تأتي من التأثير النفسي لهذا المرض الذي يتسبب بفقدان تقدير الذات لدى الرجال. وأضاف: «ان ممارسة الجنس تستهلك الوقت الأقل في حياة الإنسان، فيما المشاكل التي قد تنتج منه ربما تستغرق الجزء الأكبر من عمره»! ولعله قول يذكر برواية الكاتب الشهير باولو كاويللو «11 دقيقة» التي تتضمّن معنى مُشابهاً. وكذلك سلّط عُكاشة الضوء على الجانب النفسي المرتبط بشكل رئيسي بالثقة بالذات التي تلعب دوراً محورياً في الأداء الجنسي. وأوضح أنّ القوة الجنسية ليست العنصر الأهم في العلاقة الزوجية، بل تفوقها أهمية مشاعر الحنان والعاطفة، موضحاً أن القلق والتوتر والضغط العصبي تمثّل أهم أسباب الضعف الجنسي. وأكد دور الطبيب في التعامل مع مرضى الاضطرابات الجنسية، مستشهداً بنتائج دراسات متخصّصة حديثة أشارت إلى أن قرابة 68 في المئة من المصابين بالضعف الجنسي، يظهرون شكوكاً عن حياتهم، كما يتردّدون في مناقشة مشاكلهم مع الطبيب. ووفق عُكاشة، لا يقتصر التردّد في طلب مشورة طبية في حالات الضعف الجنسي على الرجال في العالم العربي. إذ أفاد بأنّ هناك 30 مليون حال ضعف في الولاياتالمتحدة، لكن 70 في المئة منهم لا يذهبون إلى الطبيب. وشدّد عُكاشة على أهمية التعامل مع الضغوط الحياتية والمشاكل النفسية في تفادي الضعف الجنسي وعلاجه، وخصوصاً في حال عدم وجود مسبّبات عضوية أو مرضية. وأشار إلى أنّ معدل انتشار المرض قد يصل إلى قرابة الضعفين بين الرجال الذين يعانون من أعراض كآبة مرضية، مقارنة بالفئات الاخرى. وخلص الى القول إن الضعف الجنسي مشكلة قديمة-جديدة تؤرق الرجال في الدول كافة. وحاضراً، يعوّل الأطباء على التقدم في بحوث العلم، وفق كلمات عُكاشة. اذ توصلت بحوث الطب إلى تطوير علاجات حديثه لها مفعول مديد يصل إلى 36 ساعة، ما يعني أنها تستطيع أن تعطي المريض التلقائية المطلوبة لاستعادة الثقة بالنفس في ممارسة الحياة الزوجية بصوره طبيعية. في موازاة ذلك، رأى عُكاشة أن هناك دوراً كبيراً لجهود التوعية التي تساهم في تغيير نظرة المجتمع إلى هذه المشكلة. وحضَ على تشجيع الرجال من مختلف الفئات العمرية، على التعامل مع مشكلة الضعف جنسياً بموضوعة وفعالية، لتجاوز الآثار السلبية المترتبة عنها على المستويين الشخصي والأسري.